top of page
Rechercher

استراتيجية وآليات التعاون بين النيابات العامة في الدول العربية لمواجهة ومكافحة الجرائم عبر الوطنية

elmisbahiabdelali

المشاركة في فعاليات المؤتمر الخامس

لرؤساء النيابات العامة بالدول العربية المنعقد

في بيروت ما بين 22/24/9/2014

الموضوع : استراتيجية وآليات التعاون بين النيابات العامة في

الدول العربية لمواجهة ومكافحة الجرائم عبر الوطنية

من إعداد : ذ /عبد العالي المصباحي المحامي العام

بمحكمة النقض بالمملكة المغربية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف

المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد : يسعدني اليوم أن أحضر هذا اللقاء الهام، الذي يعتبر إحياء لعروبتنا وتمتينا لأواصر المرجعية التاريخية والمصير المشترك، لأساهم بهذا الموضوع الذي يدخل ضمن المحور الثالث الخاص باستراتيجيات وآليات التعاون بين النيابات العامة بالدول العربية, لمواجهة ومكافحة الجرائم عبر الوطنية.

مقدمة :

لقد تسابق بنو البشر منذ بداية الحياة فوق هذه الكرة الأرضية, للسعي نحو كل ما من شأنه استشعارهم بالاطمئنان والاستقرار في العيش والسكن والمأكل, فوجدوا في التكتل مأمنا من بطش الآخر, وفي سن القوانين قواعد لتنظيم التعامل. إلا أن النزوح المستمر للبحث عن ظروف عيش أفضل, والاستكشافات البحرية لأراض جديدة, كانا الدافع وراء نشوب حروب أتت على الأخضر واليابس, وحملت في طياتها جرائم متعددة ,بدء بانتزاع الأراضي إلى النهب والسبي وقتل النفس والسرقة والرق, أهم تمظهراتها الحرب العالمية الأولى والثانية ثم سياسة الاستعمار التي تلتهما, فكانت بحق أولى الجرائم العابرة للحدود, دفعت بالمنتظم الدولي لخلق مؤسسات تمثيلية للدفاع عن القوانين الدولية, وحماية سيادة الدول وحدودها, كعصبة الأمم وبعدها مجلس الأمن, ثم تفرعت في شكل جامعات ومجالس وبرلمانات قارية وجهوية, تخدم المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول ذات الانتماء العرقي أو الديني أو الجغرافي, مثل جامعة الدول العربية والبرلمان الأوروبي ومجموعة خمسة زائد خمسة, فضيق هذا التكتل المحكم والاتفاق المقنن الخناق على المتلاعبين بالقانون والعابثين بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية, والعاتين في الأرض فسادا, ليفكروا في دهاء ويمكروا في صمت, للوصول إلى طرق مغايرة تمكنهم مجددا من الارتزاق والكسب اللامشروع, مستغلين في ذلك الوضعية المادية المتأزمة للضحايا والفراغ التشريعي وعجز الدول عن مواكبة تطورهم الإجرامي, خصوصا أن الجريمة لا تحتاج إلى تأشيرة, كما أن حدود الدول لاتقف عائقا أمامها. فظهرت جرائم جديدة في شكلها وطرق تنفيذها وهوية مرتكبيها بل حتى في الغاية من ارتكابها, إذ اختلفت أشكال الاقتراف وتعددت جنسيات الفاعلين, وانتقل جسم الجريمة من دولة إلى أخرى, ولبست النتيجة الإجرامية حلة التخطيط الإجرامي المنظم, فرسمت الجريمة العابرة للحدود في أفق المنتظم الدولي في شكل قوس قزح, متعددة الوجوه والصور بتعدد ألوانه, لا تعرف مكان انطلاقها ولا مكان الوصول, وتعلو في تدبيرها وتخطيطها حتى لا تطالها يد القانون.

وللحديث عن هذه الظاهرة لابد من التعريف بنوع الجرائم العابرة للحدود, وبالاستراتيجيات المتبعة من طرف الدول لمواجهتها والقضاء عليها, والاقتراحات والتوجهات الواجب إتباعها لكشفها والتحصن منها استقبالا,

الجريمة العابرة للحدود أو عبر الوطنية

حددت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية, سنة 2000 الحالات التي تكون فيها الجريمة عابرة للحدود الوطنية فيما يلي:

- إذا ارتكب الجرم في أكثر من دولة واحدة؛

- إذا ارتكب الجرم في دولة واحدة ولكن جرى جانب كبير من الإعداد والتخطيط له أو توجيهه والإشراف عليه, في دولة أخرى؛

- إذا ارتكب الجرم في دولة واحدة, ولكن اشتركت في ارتكابه جماعة إجرامية منظمة تمارس نشاطات إجرامية في أكثر من دولة واحدة؛

- إذا ارتكب الجرم في دولة واحدة ولكن كانت له آثار شديدة في دولة أخرى؛

ومن هنا نستشف أن منظمة الأمم المتحدة أقرت ضمنيا في الحالة الثالثة, أنه ليست كل جريمة عابرة للحدود هي جريمة منظمة, حينما نصت " اشتركت في ارتكابه جماعة إجرامية منظمة...".

خصائص الجريمة المنظمة:

تختلف الجريمة المنظمة عموما عن نظيراتها, في أنها تتميز بخصائص تصبغ عليها لونا خاصا بها, يجعل منها جريمة صامدة أمام الجهات المكافحة لها, فمن خصائص الجريمة المنظمة نجد: - التخطيط المسبق - الاحتراف في تقلد المهام - التعقيد في العمليات - الهدف المسطر مسبقا - القدرة على التسلل للوظائف وشراء الضمائر - السعي إلى التحالفات الاستراتيجية - الطابع الدولي للتنظيم.

الانعكاسات السلبية المباشرة أو غير المباشرة للجريمة المنظمة :

تتمثل الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة للجريمة المنظمة في الخطورة على المجتمع من حيث استتباب الأمن وانتشار الخوف وتكاثر الإجرام؛

- التأثير على مقومات المجتمع؛

- التحدي السافر للقوانين الوطنية والدولية؛

- استمرار الجريمة المنظمة لا يتأثر بتغير المجرمين؛

- استفحالها بمرور الوقت؛

وقد أفرز الواقع العملي جرائم أخرى, ما كان ينظر لها في السابق على أنها كذلك ومثالها : تزوير البطاقات البنكية والائتمانية – تزوير جوازات السفر والتأشيرات وبطاقات المرور عبر الدول – التجسس -استنزاف الثروات الطبيعية والحيوانية ونقلها من بلد لآخر مثل قطع أشجار الغابات وتصديرها خارج القوانين الدولية- صيد الأسماك دون إذن وفي فترات الراحة البيولوجية- القرصنة البحرية - تهريب الأحجار الكريمة- ترويج المنشطات والأدوية الفاسدة على المستوى الدولي- سرقة الرمال عبر المحيطات- تهريب الحيوانات التي هي في طور الانقراض- التقليد الغير مشروع للعلامات التجارية والصناعية – سرقة الملكية الأدبية – تهريب الأدمغة والأطر - تهريب العملة – الزواج الأبيض – سرقة السيارات على المستوى الدولي – الإرهاب البيولوجي أو الكيماوي مثلا: الجمرة الخبيثة التي ترسل عبر البريد – التخلص من النفايات النووية - التصريح الجمركي المزيف ثم النصب وهو من أكثر الجرائم انتشارا وعبورا للحدود، والأمثلة متعددة بتعدد الفعل الجرمي والنية الإجرامية والقانون المعاقب.

وإذا كانت هذه النظريات القانونية تحاول التضييق من مفهوم الجريمة العابرة للحدود, وتحددها في أربع أو خمس حالات على اعتبار أنها أقصى صور التمظهر للجريمة المتخطية لحدود الدول, بما ينتج عنها من تأثير في الرأي العام الدولي وتكتيف الجهود بين الأقطار لاحتوائها.

فأنا أرى من وجهة نظري القابلة للنقد, والمتواضعة أمام حصافة رأي أساتذة القانون, أن كل جريمة كيفما كانت صغيرة أم كبيرة, وحيدة أم متعددة الأطراف, جريمة نتيجة أم جريمة وسيلة, في شكل فعل أو امتناع, محلية وطنية أم دولية, فهي جريمة عابرة للحدود, ضدا عن كل القوانين والأنظمة والأجهزة الحاكمة, وذلك لأنها تنتقل من مكان اقترافها لباقي دول العالم عبر طرق مختلفة, وتتخذ شكل الجرم إما بمجرد التصميم أو بالبدء في الأعمال التحضيرية, أو بمجرد عبور الحدود, ويتغير وصفها بتغير تشريع الدول, فالجريمة المرتكبة في أي مكان هي جريمة مرتكبة في كل مكان لأن القانون الجنائي هو قانون يوصف بالعالمية, وضرر الجريمة لا يمكن حصره عند الضحايا الذين يكشفون عن هويتهم, ونتيجة الجرم إن بدا تأثيرها المباشر جليا, فتأثيرها غير المباشر لا ينحصر في زمان ومكان معينين, بل يمكن أن يمتد إلى ما لا نهاية, وسندي في هذا أول جريمة قتل على وجه الأرض, إذ كان قابيل أول من سنها فتكررت ولازالت تتكرر إلى يومنا هذا, وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل".

فمن هو البلد الأجدر بتسمية الفعل أنه جريمة عابرة للحدود:

- هل هو بلد الانطلاقة الذي بدأت خيوط الجريمة تنسج في أقاليمه ؟

- أم بلد العبور الذي مرت عبره الجريمة واخترقت حدوده ؟

- أم بلد الوصول الذي رست به الجريمة وتحققت فيه النتيجة؟

- أم هو البلد الذي تضرر أحد مواطنيه من الجرم وهو خارج الوطن؟

- أم هو البلد الذي احتمى به أحد اللاجئين المجني عليهم بالخارج؟

أسئلة واستفسارات كثيرة تتبادر إلى الذهن, وتطرح الإشكال على المحك, وتجعل ضرورة النقاش مسألة حتمية تفرض نفسها, لأن الحالات تظهر متفرقة ومتباعدة في زمانها ومكانها, وتعطي لرجل القانون أكثر من تأويل,

وأذكر من هذه الجرائم على سبيل المثال الحالات التالية :

1- الجريمة العابرة للحدود عبر وسائل الإعلام السمعية والمرئية والمقروءة. إذ تأتي في شكل خبر يسمعه المتلقي رغما عنه, فتتأثر به فئة الشباب, لهذا يستحسن نشر العقوبة بدلا من نشر الجريمة.

2- الجريمة العابرة للحدود عبر الأنترنيت والهاتف والبريد الإلكتروني وغرف الدردشة؛ وهي على خلاف سابقتها إذ قد ترتكب في ذات الوقت,

3- الجريمة العابرة للحدود بانتقال جسمها, كمن يسافر لبلد أجنبي وهو يحمل مخدرات أو مهاجر سري في مركبته دون علمه بذلك؛

4- الجريمة العابرة للحدود بمجرد دخول بلد الوصول , كمن يسافر مع خليلته من بلده الذي لا يجرم الزنى أو الفساد, ويجد نفسه في حالة مخالفة للقانون, بمجرد دخوله بلد الوجهة الذي يجرم الفعل؛

5- الجريمة العابرة للحدود التي تزال عنها صفة المخالفة بمجرد الوصول, كمن يهرب نقودا من بلده ولا يسأل عن فعله في البلد المستقبل لأنه يجلب له العملة الصعبة؛

6- الجريمة العابرة للحدود لتواجد أطرافها في بلدان متفرقة, كعصابة إجرامية دولية كل واحد من أفرادها يقوم بجزء من العملية انطلاقا من بلده, مثلا : استغلال شبكة الاتصالات,

7- الجريمة العابرة للحدود بسبب التأثر بشخصية الجاني ومحاولة تقليده, كتقليد القاتل بالتسلسل والقاتل بالفورة والتبصصي الإستراقي والفتشي والسادي والمثلي والاستعراضي, وهي جرائم انتقلت من مواطنها المعروفة لباقي دول العالم بسبب التأثر والتقليد لثقافات فاسدة وغريبة عن البلد المقلدة فيه؛

8- الجرائم العابرة للحدود بتغير النظام, كالمواطنين الفارين من بلدهم الذي يعرف حروبا أهلية أو انقلابا في الأوضاع السياسية, وما يصحب ذلك من هجرة سرية وتشريد للأسر ومجاعة جماعية وسوء في الظروف الصحية والإيواء؛

9- الجريمة العابرة للحدود لجهل الضحية, كالأشخاص الذين أصبحوا يقصدون بعض المصحات بالخارج لإجراء عمليات تجميل, فيتعرضون لتشويهات جسمانية وتفاقم في الأضرار, وذلك لسقوطهم في شراك الدعاية المغلوطة, لأنه لا وجود لتخصص في الجراحة التجميلية ولكن هناك تخصص في الجراحة البلاستيكية, وأن الطبيب لا يضمن النتيجة ولكن يلتزم بالأداء الجيد واستبعاد الخطأ الطبي؛

10- الجريمة المنتقلة بين الإباحة والتجريم خلال السفر, ومثالها من يحمل معه حيوانا – من المحميات - من بلد الانطلاقة, فيكون في حالة مخالفة لقانون هذه الدولة, ثم يعبر أخرى لا تجرم الفعل, فيكون في حكم المالك القانوني والشرعي لهذا الحيوان, وبعدها يصل لبلد الوجهة, فيجد نفسه مجددا في حالة لا مشروعة بسبب معاهدة دولية. فالسؤال المطروح : متى كان هذا الفعل جريمة عابرة للحدود ؟, وما هي الدولة المختصة بالتجريم والمتابعة ؟ وما هي حدود إقليمية القوانين ؟.

لهذا لابد من القول أن عملية التأثير والتأثر بين مختلف الحضارات أمر حتمي, ومسألة التعاون بين مختلف الحكومات هدف لا محيد عنه, لاحتواء الأوضاع ومحاربة الجريمة, التي لا موطن لها ولا دين ولا انتماء, إنما هي فيروس يتكاثر متى وجد جسما أو خلية توفر له ظروف الاستفحال والتوالد, فالسؤال المطروح:

1-متى كان هذا الفعل جريمة عابرة للحدود؟

2-ما هي الدولة المختصة بالتجريم و العقاب ؟

3 –ما هو حدود إقليمية القوانين؟

4-ماهي الأسباب الكامنة وراء انتشار الجريمة عبر الوطنية

5-هل هو مشكل تشريعي أم أزمة فكر وإنسان أم حكومات ؟

6-هل يتم تفعيل مبدأ حاكم أو سلم ليحاكم؟

7-ماهو الحد الفاصل بين السيادة وتسليم المجرمين والتسليم المراقب؟

فلابد إذن من وضع آفة الجريمة العابرة للحدود تحث المجهر, ومراقبتها بعين دائرية تحيط بكل الجوانب, وأخد المسألة على محمل الجد والتصدي لها بتشريع استباقي محكم, تنضوي تحثه نظرة الأستاذ الأكاديمي وتجربة رجل القانون العملية, وإرادة مجتمع يؤمن بأن المواطنة واجب وليست حق, والكل في قالب دولي عام يتلاءم مع كافة التشريعات, ليكون قادرا على احتواء هذه الظاهرة وساعيا في ذات الوقت إلى مكافحتها والحد من انتشارها, بل القضاء حتى على الانحراف وهو لايزال في مهد النشأة, وتحصين المواطن من الانغماس في الرذيلة, وتحفيزه على مناهضة المشاهد الإجرامية ولو بالاستنكار, كأضعف صورة من صور مكافحة الجريمة, امتثالا لشرع الله في عباده في قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }آل عمران, وعملا بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .

ولأن الإجابة عن هذه التساؤلات الجوهرية ستجرنا لامحالة, إلى السباحة في بحر القانون الجنائي والقانون الدولي والمعاهدات الدولية, وثوابت الأمم وأعرافها والمستوى الأخلاقي للشعوب, ومدى قابلية تطبيق النصوص القانونية على الأجانب, والبحث المضني والشاق لتدويل القوانين وعالمية تطبيقها, فلابد إذن من تحليل هذه الظاهرة انطلاقا من ثلاثية الجاني والمجني عليه والعلاقة السببية بين الفعل والضرر.

فإذا كانت الجريمة هي كل سلوك فردي متمثل في عمل أو تصرف, مخالف لأمر فرضته قاعدة من القواعد التي تنظم سلوك الإنسان في الجماعة, فإن هذا السلوك لا يمكن حصر ضرره في جماعة معينة, أو منع الفاعل من عدم اجتياز حدود الدول, فعلم الإجرام حينما ظهر على الساحة العلمية, لم يأت ليدرس الجريمة في حدودها الوطنية وبيئتها الضيقة, وإنما جاء ليبحث في الباعث على الإجرام وفي المسببات, ليخلص من خلالها نتيجة تساعد على مكافحة الظاهرة الإجرامية أينما وجدت, فهو العلم الذي يبحث في تفسير السلوك العدواني الضار بالمجتمع وفي مقاومته عن طريق إرجاعه إلى عوامل حقيقية.

فهذا الفعل الجرمي مثلا يصبح جريمة عابرة للحدود, إما بالنظر للفاعل أي الجاني أو المقترف, أو بالنظر للضحية أي الشخص الذي لحقه ضرر مباشر أو غير مباشر من هذا الفعل, أو بالنظر لجسم الجريمة أو بالنظر للضرر اللاحق بدولة غير دولة الاقتراف أو دولة موطن الجاني.

استراتيجية وآليات التعاون بين النيابات العامة

من خلال قراءة التقارير الختامية لكل المؤتمرات والندوات واللقاءات المنعقدة بين مختلف الدول العربية الإفريقية والآسيوية, يتبين جليا أن هناك رغبة ملحة وإرادة قوية للقضاء على مختلف مظاهر الإجرام, إن على المستوى الوطني أو الدولي, وأن الجهود ما فتئت تتضافر لغل خيوط هذه الآفة, والتحصن لمواجهتها بترسانات قانونية حديثة وفاعلة للقضاء عليها وزجر مرتكبيها.

ولكي نستفيد من تجربة الآخر ونختصر الطريق للوصول لأهدافنا عبر خط مستقيم, لابد من وضع تصور لعمل مستقبلي, صيغته دولية, أهدافه وقائية ومحددة مسبقا, عمله مشترك, لجانه تقنية وتوافقية, ميزانيته في شكل مساهمات دورية وقارة, تروم في مجملها خلق تعاون دولي شامل لكل الجوانب, إن على مستوى الهيكلة أو تقسيم الوظائف أو آليات الاشتغال, مع نقل تجربة الدول السباقة في هذا المجال, ومنها مثلا:

- خلق شرطة عربية ( عرب بول ) كما هو عليه الشأن بالنسبة للأنتربول؛

- تقوية دور المؤسسات الوطنية والأجنبية المكلفة بالتعاون الدولي في مكافحة الجريمة؛

- توسيخ اختصاصات الأشخاص الساهرين على تطبيق استراتيجية مكافحة الجريمة؛

- خلق تقارب قانوني لتوحيد الترسانات التشريعية بين مختلف الدول المعنية؛

- إبعاد التوجهات السياسة الضيقة أو الجهوية عن مسار التعاون القضائي الدولي؛

- إشراك النسيج المدني للاستفادة من عمل الجمعيات في التوعية والتأطير والتبليغ عن الجريمة؛

- جعل التعاون القضائي الدولي مبدأ إلزاميا وليس اختياريا؛

وهذا كله لضمان استمرار الأمن, لأن في استمرار الأمن, استمرار للدول والشعوب.

حلول ومقترحات للقضاء على الجريمة عبر الوطنية

رغم سعي المنتظم الدولي للقضاء على الجريمة بمختلف أنواعها, ومحاصرة المجرمين بواسطة شريط دائري من القوانين الوطنية والدولية, لتضييق الخناق على حالات الانحراف, إلا أن الخط الأحمر للجريمة في ارتفاع عمودي مستمر, مما يستوجب التكثير من الموائد الدولية المستديرة, لإقرار حلول آنية ومستقبلية لمكافحة الجريمة, وإصلاح منظومة العدالة التي تتطلب إشراك جميع الفعاليات في المجتمع للمساهمة في هذا الورش, ووجود اقتناع لدى الجميع بأن كل واحد هو لبنة أساسية في هذا البناء, وأنه بإصلاح نفسه والحث على إصلاح من حوله سيكون قد ساهم فعليا في مكافحة الجريمة، وأن الوقوف على أوجه الخلل في كل مجال من مجالات العدالة هو من النقط الرئيسية للوصول إلى تصور شمولي لمنهج العمل المستقبلي الذي يروم القضاء على هذه الظاهرة ، كما أن إشراك ذوي الخبرة والاختصاص هو من الأمور التي لا يمكن إغفالها، للاستفادة من تصوراتهم النظرية ونتاج محكهم اليومي في الوقوف على الثغرات والرجوع عن الهفوات، والتحصن للطوارئ و المستجدات.

ولتنزيل مشروع مكافحة الجريمة عبر الوطنية ، وإلباس حلة التنظير على العمل اليومي, وإرساء استراتيجية محكمة وآليات فاعلة للتصدي لهذه الآفة, لابد من وجود تصور مستقبلي لطريقة العمل والتأطير بكل مؤسسة تدخل في منظومة المكافحة إن على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي :

مقترحات وآليات عمل على المستوى الوطني:

1. الإيمان بمبدأ التخصص ووضع قضاة لهم خبرة في عمل النيابة العامة لتأطير هذا الجهاز ولهم من الجرأة ومن المبادرة والاستباق ما يكفي لتفعيل مبدأ التسلسل الرئاسي وإصدار التعليمات والتوجيهات للهيئات التابعة لهم؛

2. خروج النيابة العامة من دورها المحتشم المتمثل في تلقي المحاضر والقيام بتكييفها, إلى دور الريادة والبحث عن أسباب تفاقم الجريمة وانتشارها ثم العمل على القضاء عليها في مهدها؛

3. انتقال عمل النيابة العامة من الدور الزجري إلى الدور الوقائي بما فيها رقابة عمل الشرطة الإدارية والمجالس الجماعية والجهات المكلفة بالرقابة وحماية المواطن؛

4. رفع القيود على النيابة العامة في بعض الجرائم التي لا تحرك الدعوى العمومية بشأنها, إلا بشكاية من الجهة صاحبة الحق، وبسط نفوذ النيابة العامة على جميع الميادين لتتمكن من مراقبة مدى احترام القانون؛

5. جعل الدعوى العمومية سلطة وليست حقا، حتى تكون النيابة العامة في عملها اليومي تمارس سلطة باسم المجتمع ولا تمارس حقا يمكن التنازل عنه أو التصالح بشأنه، فتمس المصالح العامة للمجتمع؛

6. تعيين ممثلين عن النيابة العامة بالمقاطعات الأمنية لإعطاء الشكايات الاتجاه القانوني الصحيح والبت في الشكايات ذات الصبغة المدنية في إبانها والسهر على إنجاز المحاضر والأبحاث شخصيا حتى لا يتم الطعن في شكلياتها؛

7. تمكين أعضاء النيابة العامة من الوسائل اللوجستيكية والمادية لتسهيل التنقل والاتصال والوقوف على حالات التلبس وضبط المشتبه فيهم؛

8. وضع شرطة مالية تحت إمرة النيابة العامة لمحاربة الجرائم المالية من تهرب ضريبي وجمركي وجرائم المال العام وغسل الأموال؛

9. تجديد الترسانة القانونية بشكل يتماشى وما أصبحت تعرفه الجريمة من تطور وتشريع قوانين تتلاءم وثقافة الأمة؛

10. تفعيل دور لنيابة العامة بالمحاكم التجارية للوقوف على الجرائم ذات الصلة بالشركات والأموال كالتفالس بالتدليس وتغيير مقرات وممثلي الشركات للتملص من الالتزامات العامة والخاصة؛

11. إحداث دورات تدريبية يقوم بها أعضاء النيابة العامة لفائدة ضباط الشرطة القضائية لاطلاعهم على القوانين وتوحيد طرق العمل بينهم؛

12. تمكين ممثل النيابة العامة القائم بالديمومة من الجهاز اللاسلكي الخاص بالشرطة والدرك ليكون على علم بالأحداث ويدخل على خط تحرك الضابطة القضائية؛ في الوقت المناسب لإعطاء تعليمات فورية وفاعلة,

13. تعميم شبكة الأنترنت على جميع مؤسسات النيابة العامة، لتمكينها من الحصول على المعلومات الخاصة بالمتابعين كالسجل العدلي والبطائق الخاصة بالسوابق؛

14. ترسيخ مبدئ بدائل الاعتقال، بفرض كفالات مالية على المشتكى بهم ومتابعتهم في حالة سراح والتريث في الاعتقال الاحتياطي إلى حين صدور الحكم بالإدانة وإقرار نظام الاعتراف بالتفاوض؛

15. خلق شراكة عمل بين مؤسسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية لمراقبة نفقات الدولة لجعل الأبحاث تسير بصفة متوازية وتحث رقابة قضائية ربحا للوقت واحتراما لأمد التقادم الذي عرف مؤخرا تقليصا في مدده؛

16. تفعيل دور النيابة العامة في مهامها المنصوص عليها في القوانين الخاصة، مثل قانون التوثيق والصيدلة والطب وزجر الغش والقنص والصيد والتلوث والطاقة وغيرها من القوانين ذات الصبغة الزجرية؛

17. تعيين أحد ممثلي النيابة العامة بمراكز الحماية والتهذيب لاستقبال الأحداث الجانحين، بعيدا عن المحاكم والسهر على تطبيق التدابير الخاصة بهم لتقويم جنوحهم؛

18. خلق شراكة بين النيابة العامة والوزارات الوصية على الشؤون الاجتماعية والمرأة والطفل لتعزيز أسس الوقاية من الجريمة ومحاربة السلوك المنحرف؛

19. عقد اجتماعات مع السلطة المحلية بكل عمالة أو إقليم لمحاربة الجرائم التي أصبحت تشكل ظاهرة اجتماعية بذات الجهة، مثل : التسول، التشرد، شغب الملاعب، حمل السلاح دون عذر مشروع، استغلال الملك العمومي، استهلاك المخدرات، الهجرة السرية..؛

20. خلق تواصل بين النيابة العامة وأقسام الشؤون القانونية بمختلف الوزارات لتدارس جميع التصرفات التي تعتبر انحرافا أو فيها إضرار بالمصالح العامة أو المال العام ولم يتم تجريمها بعد؛

21. إصدار قوانين تنظيمية تؤسس للعلاقة بين النيابة العامة والشرطة القضائية والعلمية والتقنية وكذا قاضي التحقيق مع تحديد المهام؛

22. تكوين أعضاء النيابة العامة فيما يخص التحري والبحث وجمع الأدلة, لتأطير الشرطتين التقنية والعلمية بمسرح الجريمة؛

23. الإشراف الفعلي للنيابة العامة على مراكز التشخيص القضائي ومصلحة البصمات والبطاقة الوطنية والحمض النووي؛

24. جعل النيابة العامة هي المالكة الوحيدة والمحتكرة لحق تحريك الدعوى العمومية وذلك لضمان ما يلي:

- جعل المتابعة على قدم المساواة في حق الجميع

- إحساس الضحية بتضامن المجتمع معه فيما نزل به

- حماية الطرف الضعيف في الدعوى والذي قد يحجبه خوفه من أن يكون موضوع انتقام من التبليغ عن الجريمة.

- توحيد العمل في جميع المتابعات بين كل الجناة.

25. تحديد معايير لاختيار المسؤول, مادام المنصب يتأثر إيجابا أو سلبا بشخصيته ويتقدم أو يتأخر بإرادته وكفاءته؛

26 . تكوين أعضاء النيابة العامة في مادة علم الإجرام والعلوم المقارنة,

27. إعطاء صلاحيات أوسع للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض, لتمكينه من تنفيذ السياسة الجنائية, التي يكون هو أصلا من اقترحها للتدارس والتطبيق؛

28. جعل تحقيق العدالة غاية في تطبيق القانون؛

مقترحات وآليات عمل على المستوى الدولي:

1-تعزيز الثقة المتبادلة بين جميع الدول في إطار التصدي للجريمة؛

2-تفعيل القاعدة الدولية حاكم أو سلم ليحاكم؛

3-تعزيز دور النيابة العامة في الرقابة والبحث والتقصي؛

4-خلق شبكة دولية للاتصال بين جميع النيابات العامة بمختلف الدول؛

5-توحيد القوانين والإجراءات والعقوبات بين الدول؛

6- تشكيل لجان تحقيق مشتركة للبحث في ذات الجريمة؛

7-تحيين القوانين الوطنية بوضع المعاهدة الدولية بهامش القانون المعاقب؛

8-تبادل الخبرات القضائية بين مختلف الدول في إطار التعاون القضائي؛

9-تبني مقاربة شمولية للشأن الأمني بين الدول عبر العالم؛

10- إقرار برامج تربوية تعرف بالجريمة وعواقبها لتربية جيل مطلع بالقانون؛

11-خلق إرادة شعبية لدى كل مواطن ليكون حارسا لبلده وحاميا لها؛

12-تحديث مصلحة السجل العدلي وجعلها دولية لوصم المنحرفين؛

13-تقوية دور الإنتربول بتعميم لامركزيته عبر جميع الدول؛

14-تمكين المنتظم الدولي, الدول الفقيرة من وسائل البحث عن الجريمة؛

15-خلق مصلحة جمركية دولية للتأكد من مشروعية الواردات من المنشأ؛

16-القضاء على العنصرية وكراهية الأجنبي لمحو الشعور بالاحتقار والثأر والنعرة القبلية؛

17-الحد من ظاهرة المدن الكبرى المستأثرة بالامتيازات على حساب باقي التجمعات السكنية التي تعيش التهميش؛

18-خلق بطاقة تعريف لولوج الأنترنيت لضبط هوية المستعملين والمبرمجين؛

19-تحفيز المواطن على وقاية نفسه وماله من الجريمة؛

20-تعميم القيم التربوية الأخلاقية والدينية في المجتمع لترسيخ ثوابت الأمة بين المواطنين؛

21-التعريف بالقوانين الوطنية والدولية وبالمؤسسات الدستورية الساهرة على تطبيق القانون ومحاربة الجريمة؛

22-خلق شراكة عمل ما بين المراصد والمجالس الوطنية والدولية وبين الجهات الوصية على نفس الميدان؛

23- خروج النيابة العامة من دورها المحتشم المتمثل في تلقي المحاضر والقيام بتكييفها إلى دور الريادة والبحث عن أسباب تفاقم الجريمة وانتشارها ثم العمل على القضاء عليها في مهدها؛

24- انتقال عمل النيابة العامة من الدور الزجري إلى الدور الوقائي بما فيها رقابة عمل الشرطة الإدارية والمجالس الجماعية والجهات المكلفة بالرقابة وحماية المواطن؛

25- رفع القيود على النيابة العامة في بعض الجرائم التي لا تحرك الدعوى العمومية بشأنها إلا بشكاية من الجهة صاحبة الحق، وبسط نفوذ النيابة العامة على جميع الميادين لتتمكن من مراقبة مدى احترام القانون؛

26- جعل الدعوى العمومية سلطة وليست حقا، حتى تكون النيابة العامة في عملها اليومي تمارس سلطة باسم المجتمع ولا تمارس حقا يمكن التنازل عنه أو التصالح بشأنه، فتمس المصالح العامة للمجتمع؛

ذ/ عبد العالي المصباحي المحامي العام بمحكمة النقض بالمملكة المغربية

 
 
 

Posts récents

Voir tout

Comments


  • facebook
  • twitter

© Abdelali El Misbahi.

bottom of page