من إعداد :عبد العالي المصباحي
متخصص في قضاء النيابة العامة وعلم الإجرام
يشرفني اليوم أن أتجاذب أطراف الحديث مع القارئ حول موضوع التحرش الجنسي بالعمل، وأدلي في تواضع بوجهة نظري وتصوراتي لمكافحة هذه الآفة التي تضرب في العمق الحضارة الإنسانية جمعاء، ولماذا أقول الحضارة الإنسانية، لأن هذه الظاهرة لم تستثني مجتمعا متحضرا أو في طريقه للنمو، ولا هيئة دولية أو مؤسسة وطنية، ولا مدينة أو بادية، ولا شركة ضخمة أو مكتبا متواضعا، إلا استطاعت أن تدخله من نافذة التقهقر الخلقي وتنسج فيه شباك العنكبوت المضطرب نفسيا، فأنجبت لنا مسخا مشوها ما بين متحرش متلهف لتحقيق النزوات ومتحرش به قد يتنازل عن قيمه لتحقيق الذات، أو يصارع طاعون التحرش في صمت وسكات. فتنبهت البشرية جمعاء لهذه الظاهرة، مما دفعها للمبادرة بالتصدي لها بالتجريم والعقاب عسى أن تحد من امتدادها واستفحالها. وإن كانت هذه التشريعات لازالت فتية إما من حيث دخولها حيز التنفيذ، أو من حيث تفعيلها على أرض الواقع، حيث يظهر لنا هذا من خلال الاجتهادات القضائية التي لازالت محتشمة وشبه منعدمة على الساحة القضائية، وأخص بالذكر هنا المجتمعات العربية التي لازالت في بدايات مسيرتها حول التصدي لظاهرة التحرش الجنسي، سواء بالشارع العام أو بامتداداته كأماكن العمل ومواقع التواصل الاجتماعي .
فتحية لكل أم و زوجة وبنت وأخت و كنّة تحية حب لكن أينما كنتن فلولاكن ما ولدنا وما كنّا.
التحرش الجنسي فعل قديم ومصطلح جديد
التحرش الجنسي حسب القاموس اللغوي، هو مراودة أو محاولة استثارة المرأة جنسيا دون رغبتها، وهذا لأن الرجل ميال للتزاوج فتكون هذه الرغبة مترجمة في كل تصرفاته، وغريزته الذكورية تجعل من الجنس أول شهوة يحب إشباعها لتحقيق المتعة وإثبات الفحولة، فيعبّر بما في داخله من هيجان ورغبة في التزاوج، بواسطة كلمات أو أفعال ذات طابع جنسي ينتهك بها خصوصية ومشاعر وكرامة المرأة المتحرش بها. ولأن الترتيب في القرآن ليس اعتباطيا فما ذٌكر أولا هو أسبق وأعظم من الثاني، يقول جل وعلا: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} آل عمران. وكلمة الناس هنا جاءت بصيغة الرجال، أي زين للرجال حب الشهوات من النساء، وبٌني فعل زيّن للمجهول، لأن الفاعل قد يختلف باختلاف الحالات.
- وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله .. رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله“، وفي هذا إشارة أن الأصل في الدعوة للتزاوج هي من طرف الرجل، ورٌتب على الاستثناء، جزاء الدخول للجنة، لما في التّمنع الذي قد يكون شبه مستحيل في هذه الأحوال، من أجر عظيم، إذ لم ينجح في هذا الأمر إلا سيدنا يوسف، بعدما رأى برهان ربه. لهذا فجل المتحرشين رجال، وقليل من النساء مراودات. وحسب تعريفي المتواضع للتحرش الجنسي يمكن القول أن :
التحرش إشارة أو عبارة، لفظ أو استعارة، إيحاء أو إيماء، عنف أو إيذاء، مبطن أو ظاهر، بمكان عمومي أو شاغر.
تعريف التحرش الجنسي من طرف المنظمات
- عرفت اتفاقية منع التمييز ضد المرأة التحرش الجنسي بأنه “كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى استهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها وباستغلال السلطة الذكورية“.
- وعرفته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه “كل سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تستهدف الإيقاع بالطرف الآخر سواء كان ذكرا أو أنثى رغما عن إرادته في ممارسة جنسية مستغلا بذلك سلطته ونفوذه“.
- وعرفته منظمات حقوق الإنسان بأنه ”القيام بتوجيه أي نوع من الكلمات غير المرحب بها أو القيام بأفعال لها طبيعة أو إيحاء جنسي مباشر أو غير مباشر، تنتهك السمع أو البصر أو الجسد، وتنتهك خصوصية فرد أو مشاعره وتجعله لا يشعر بالارتياح أو يشعر بالتهديد أو عدم الإحساس بالأمان، والخوف ، أو شعوره بعدم الاحترام، والترويع و الإساءة، أو الإهانة والانتهاك والشعور بدناءة الفعل والفاعل“.
ومن خلال هذه التعريفات الثلاثة فقط، يتضح أنه لازال هناك اختلاف في توحيد مفهوم التحرش الجنسي، فالتعريف الأول حصر التحرش في الرجل فقط، والثاني عممه على الجنسين وقرنه بوجود سلطة للمتحرش على المتحرش به، مع جعل النتيجة بالضرورة هي الاستدراج للممارسة الجنسية، والثالث ركز على مشاعر الضحية، فاعتبر كل فعل أو قول من شأنه انتهاك خصوصية الضحية أو تخويفها أو المس براحتها ومشاعرها، هو تحرش جنسي، ولم يتطرق لمسألة الممارسة الجنسية كهدف أو نتيجة محتملة.
تعريف التحرش الجنسي في القوانين المقارنة
عرف القانون الكندي التحرش: (يعتبر التحرش الجنسي شكل من أشكال التمييز على أساس الجنس وليس على أساس الأخلاق)؛ وعرفه القانون الأمريكي بأنه: (أي شكل من أشكال السلوك الجنسي غير المرغوب فيه، والذي يمكن أن يشمل السلوك اللفظي، أو المضايقة الجسدية، أو التحرش المرئي، أو السلوك غير المناسب)؛ وعرفه القانون الفرنسي بأنه: “هو الفعل الذي يقع من خلال التعسف في استعمال السلطة باستخدام الأوامر و التهديدات أو الإكراه بغرض الحصول على منفعة أو مزايا ذات طبيعة جنسية”؛ كما عرفه القانون التونسي بأنه: (كل إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغية حمله للإستجابة إلى رغباته أو رغبة غيره الجنسية)؛ ولم يعرف القانون المصري التحرش الجنسي ولكن جرم بعض الأفعال التي تتعلق بهذا الأمر: كالفعل الفاضح العلني أو غير العلني، والتعرض للأنثى على وجه يخدش حياءها، والتصرف غير اللائق كالتقبيل علنا.....)، وفي اليابان لم تدرج عبارة التحرش الجنسي إلا سنة 1989 حينما رفعت سيدة يابانية دعوى من أجل التحرش الجنسي بمحكمة فوكوكا، وبعد عدة سنوات عَدَّل المجلس التشريعي الوطني قانون تكافؤ فرص العمل لإدراج حكم إلزام أرباب العمل بمنع التحرش الجنسي في مكان العمل. وأصبحت العبارة هي sekuhara لأنها مشتقة من العبارة الإنجليزية harassment sexual.
نلاحظ هنا أن التشريع يتأثر باختلاف الثقافات وعادات أهل البلد وما استقروا عليه، فالرجل الأمريكي يرفض ملامسته من طرف رجل آخر، والفرنسي يصافح الرجل ويقبل المرأة، والعربي يعتبر تقبيل المرأة غير المحرم هو إيذان لكل إباحة، واليابان تعتبر المداعبات الجنسية مسموحة بين الطرفين والممارسة الجنسية ممنوعة خارج إطار الزواج. لهذا فالتحرش الجنسي هو أمر مقرون بثقافة كل أمة يختلف باختلاف معتقداتها وعاداتها، ويتأرجح فيها بين ميزان التحريم والإباحة.
هل عرّف المشرع المغربي التحرش الجنسي
لم يعرف المشرع المغربي التحرش الجنسي في القانون الجنائي، ولكن نستشفه من خلال بعض فصوله:
- الفصل 483 من ق ج: من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعرى المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ويعتبر الإخلال علنيا متى كان الفعل الذي كونه قد ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون 18من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم. وهنا نطرح التساؤل هل المعني بالحماية هو الجمهور أم الضحية، وهل القصد الجنائي يتحقق بالفعل أم بالمشاهدة، فمثلا، أشخاص عراة بالمسبح وآخرون عراة بالشارع العام، فمتى يتحقق الإخلال العلني، علما أن العلنية متوفرة في المكانين معا، وكيف نعتبر التعمد في حالة شخص يتعرى أمام حاسوبه فينتشر التسجيل خطأ. أسئلة كثيرة قد تدخلنا في متاهات التحليل الفقهي والقضائي للفصل، مما لا يمكن معه التوصل لتعريف موحد لمفهوم التحرش الجنسي.
- الفصل 502 من ق ج: يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من 20 ألف إلى 200 ألف درهم، من قام علنا بجلب أشخاص، ذكورا أو إناثا، لتحريضهم على الدعارة، وذلك بواسطة إشارات أو أقوال أو كتابات أو أية وسيلة أخرى. فالعقوبة هنا أقل من عقوبة الفصل 483، وكأن الإخلال العلني بالحياء أشد من التحريض على الدعارة، كما أن قراءة الفصل قد توحي بضرورة اشتراط ثلاث أشخاص لتحقق الفعل: المحرض المحرّض المحرّض له. وإذا كانا نستشف فعل التحرش الجنسي من خلال مضامين الفصول فقط، فإن فصولا أخرى قد تجعل من هذا الفعل ـ متى توافرت عناصرهاـ ظرف تشديد، لما أصبح يشكل الفعل من خطورة على المجتمع. كما هو الشأن بالنسبة للفصل 263: إهانة موظف، والفصل 308-5 شغب الملاعب، والفصل 400 و 401: الإيذاء العمدي، والفصل 425 : التهديد – والفصل 431: التمييز، والفصل 442 و 443: السب و القذف، والفصل 445: الوشاية الكاذبة، والفصل 446: إفشاء السر، والفصول 467 -482 -484 -485 -486 - 487-490 -503/2 -607/6 – 608 - 269-و271،كما أن صفة الفاعل أو صفة الضحية أو ظروف ارتكاب الفعل قد تؤثر في الفعل ليتغير وصفه أو تصنيفه، من جنحة التحرش جنسي إلى جريمة أخرى أشد عقوبة كالجناية مثلا.
2004، سنة تجريم التحرش الجنسي
صدور القانون رقم 24.03 المتعلق بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي بتاريخ (11 نوفمبر 2003)، حيث جاء على الشكل التالي:
-الفصل 1-503 : يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف درهم، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية. ما يلاحظ في هذا الفصل هو رفع مدة الحبس والغرامة، وذلك بالنظر لخطورة الفعل، استعمال عبارة جريمة على غير المألوف ثم استعمال عبارة الغير عوض المرؤوس، علما أن هذا الأخير هو الشخص الذي قد يكون موضوع التحرش، عوض الغير الذي يسع عموم الناس).
للفصل 1ـ1-503 : يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألفي إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية: في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية. تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها. والملاحظ هنا ورود مصطلحات جديدة مثل كلمة إمعان وهو الإصرار والتدقيق والإطالة ، فهل التحرش بلفظ واحد لا يدخل في نطاق التجريم مثلا، ثم كلمة فضاء عمومي، أي بالمفهوم المعاكس فالتحرش بالأماكن الخصوصية والخالية من العموم غير مجرم.
كما جاء الفصل 504 بعقوبات إضافية وهي: في جميع الحالات، يجوز الحكم على مرتكبي الجنح المعاقب عليها في هذا الفرع، زيادة على ما ذكر، بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في ف 40 وبالمنع من الإقامة، من خمس إلى عشر سنوات. ومحاولة هذه الجنح تعاقب بنفس العقوبات التي تعاقب بها الجريمة التامة. فكيف يمكن تصور المحاولة هنا، هل بالتربص للضحية أو بالبدء بالتحرش دون الإمعان أو بالجلوس الدائم في الأماكن العمومية التي ترتادها النساء.
وقد جاء في المادة الأولى في باب التعريف من أجل تطبيق هذا القانون، يراد بما يلي:
العنف ضد المرأة: كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس, يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة.
العنف الجسدي: كل فعل أو امتناع يمس أو من شأنه المساس بالسلامة الجسدية للمرأة والطفل أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه.
العنف الجنسي: كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة والطفل لأغراض جنسية أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك.
العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة والطفل وطمأنينتهما أو بغرض تخويفهما أو ترهيبهما.
العنف الاقتصادي: كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبيعة اقتصادية أو مالية يضر, أو من شأنه أن يضر بالحقوق الاجتماعية أو الاقتصادية للمرأة والطفل.
وسائل الإثبات في جريمة التحرش الجنسي
الإثبات حر في القضاء الجنائي بصريح قانون المسطرة الجنائية التي نصت في المادة 286: يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات, ....... ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ......ولكنه مقيد ببعض الإجراءات المسطرية. ونصت المادة 287 قانون المسطرة الجنائية: لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها.
المادة 289 قانون المسطرة الجنائية: لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية ...إلا إذا كانت صحيحة الشكل وضمن فيها محررها وهو يمارس مهام وظيفته ما عاينه أو تلقاه شخصيا في مجال اختصاصه.
المادة 290 قانون المسطرة الجنائية: المحاضر والتقارير التي يحررها ضابط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات.
المادة 291: لا يعتبر ما عدا ذلك من المحاضر أو التقارير إلا مجرد معلومات.
وفي هذا الأمر استحسان، لأنه يمكن للضحية إثبات الفعل بأية وسيلة إثبات أو قرينة أو بداية حجة، تدين بواسطتها الفاعل أو تقلب عليه عبء الإثبات.
المتحرش والاضطرابات النفسية
إذا كان الإنسان السوي يتميز بالانضباط والتوازن فهناك من له اضطرابات نفسية تؤثر في سلوكياته اليومية مع الآخر مثل: - السادي: - المازوشي: - الفتشي: - التبصصي: - الاستعراضي: - التحككي: - البيدوفيل، وللأسف فالمشرع المغربي لم يرتب الآثار القانونية على هذه السلوكات، أو أعطى لبعضها أوصافا مختلفة كحالة عود أو ظرف تشديد مثلا يغلظ معه العقوبة أو يرفعها لدرجة الجناية.
عقد الشغل عقد مقدس وقديم قدم البشرية
لأن عقد الشغل مذكور في القرآن وحددت به صفات الأجير والمؤجر مسبقا، كأن يسخّر أحد لخدمة الآخر، وحددت صفات الأجير في القدرة والأمانة، وصفة المؤجر في الصلاح والرأفة بالأجير، إذ قال الله تعالى:“أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚوَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا“ سورة الزخرف، وقال تعالى: “قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ....وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ“. سورة القصص. كما حدد القرآن أخلاقيات التعامل مع الجنس الآخر في قوله تعالى: ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم.. ﴾ سورة النور، وقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْن مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها....﴾ سورة النور.
هل حمى المشرع المرأة في كرامتها وفي جسدها ؟
- أصدر المغرب القانون رقم 125.12 بتاريخ 4 غشت 2015 الموافق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الموافق عليه بنيويورك في 6 أكتوبر 1999 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة CEDAW :
Convention on the Elimination of All forms of Discrimination Against Women
المادة 1 : يعني مصطلح التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس التمييز الجنسي ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر. أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق أو تمتعها بها وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية.
الفصل 19 من الدستور: يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،
الفصل 9 من مدونة الشغل: يمنع كل تمييز بين الأجراء على أساس السلالة اللون الجنس. ونصت المادة 16 من قانون نوفمبر 2007 المتعلق بأعمال الحراسة ونقل الأموال.... يمنع بوجه خاص على مستخدميهم القيام بتلمسات أمنية أو تفتيشات جسدية(……. . وهذا ما نصت عليه المادتان 60 و 81 من قانون المسطرة الجنائية، حيث لا تفتش المرأة إلا من طرف جنسها. في حين نصت المادة 6 من قانون العمال المنزليين الصادر في 10غشت 2016 : على أنه يمنع تشغيل العاملات والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم بين 16 و 18 سنة في أشغال من شأنها أن تشكل خطرا على سلوكهم الأخلاقي أو تخل بالآداب العامة. ونصت المادتان 16 و 56 من قانون الصحافة والنشر الصادر في 10 غشت 2016 : على أنه لا يمكن أن يكون مديرا للنشر أو مدير شركة طبع من صدر في حقه حكم نهائي من أجل قضايا الابتزاز والنصب وخيانة الأمانة والرشوة واستغلال النفوذ أو في قضايا الاغتصاب أو التغرير بالقاصرين أو في الاتجار في المخدرات أو أفعال إرهابية؛
التحرش الجنسي خطأ جسيم بمدونة الشغل
المادة 39 : تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير ارتكاب جنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة، أو الآداب العامة، صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحرية؛ ارتكاب الأفعال التالية داخل المؤسسة أو أثناء الشغل؛.... - السب الفادح - التحريض على الفساد؛ استعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء البدني الموجه ضد أجير أو مشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة.....
إذا كانت المادة 39 من مدونة الشغل قد جاءت لتحدد الأخطاء الجسيمة في حق الأجير، فإنها لم تتطرق للتحرش الجنسي وإنما قالت التحريض على الفساد، مما يظهر النظرة الذكورية للمشرع المغربي، الذي لا يتصور التحرش الجنسي الصادر من طرف الأجير في حق زميلة أو رئيسة له أو ربة مقاولة، كما فعلت في المادة 40 من مدونة الشغل بالنسبة للمؤجر : يعد من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة ضد الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة، ما يلي : - السب الفادح؛ - استعمال أي نوع من أنواع العنف والاعتداء الموجه ضد الأجير؛ - التحرش الجنسي؛ - التحريض على الفساد. وتعتبر مغادرة الأجير لشغله بسبب أحد الأخطاء الواردة في هذه المادة في حالة ثبوت ارتكاب المشغل لإحداها، بمثابة فصل تعسفي.
وإذا كانت المادة 40 قد تطرقت للتحرش الجنسي في حق الأجير، فكيف يمكن تحديد العبارات الداخلة في هذا السياق، مثلا المديح المفرط – الغزل – الكلام المبطن – التكلم عن الآخر بسوء – الاستهزاء بالآخر – حضور واقعة التحرش بشخص آخر- استغلال المهنة: (طبيب نساء - دلاك طبي- معلم رياضة- حلاق نساء...) هل هذا تحرش بمفهوم القانون. وماذا عن الإشهارات التجارية التي تشيء جسد المرأة وتجعله أداة وبضاعة لترويج المنتجات الصناعية.
رأي القضاء في التحرش الجنسي بأماكن العمل
قضت محكمة النقض في قرارها عدد 758 بتاريخ 2/ يونيو/ 2011 بما يلي : قيام الأجير بالتحرش الجنسي بزميلة له في مكان العمل بإرساله لها رسائل هاتفية مخلة بالآداب يعد خطأ جسيما يبرر فصله عن العمل، وإن صدور حكم ببراءته من جريمة التحريض على الفساد لا يمنع المشغل من إثبات ارتكابه الفعل المعد خطأ جسيما، والذي يثبت بجميع وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود.
وقضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها عدد: 7-44082 بتاريخ 3/3/2009
Le harcèlement sexuel peut conduire à l’ inaptitude de la victime
لأن المؤجر استغل ظرف الأجيرة العائلي ” مطلقة وترعى ثلاث أبناء“ فبدأ يقدم لها الهدايا ” حلي ملابس سيارة جديدة ” مطالبا إياها الانتقال للعيش معه وتأسيس أسرة جديد، أدى هذا الإصرار إلى دخولها في حالة اكتئاب متلازمة مما استدعى متابعتها طبيا ” واعتبر هذا ناتج عن التصرف الخاطئ للمشغل. وقد أقر القضاء الفرنسي بأن التحرش الجنسي يمكن أن يأخذ الشكل الأفقي التنازلي أو التصاعدي أو العمودي أو المثلي. وهناك مقترح قانون أمام البرلمان الفرنسي حول تقنين BURN OUT كأحد الأعراض المهنية التي تستوجب العلاج والتعويض، عن الضغط النفسي الحاد
عواقب التحرش الجنسي على العمل
- قلة المردودية الناتجة عن التفكير المستمر في التعرض مجددا للتحرش ؛
- تجنب ملاقاة المتحرش والتحدث معه في أمور العمل خوفا من تصرفاته؛
- خلق جو من الحقد داخل المؤسسة ناتج عن التمييز بين الأجراء والضحية؛
- محاولة المتحرش تخفيف العبء على المتحرش بها لاستمالة عطفها؛
- إعطاء المتحرش بها امتيازات ومناصب قد لا تستحقها بالنظر لقدراتها الشخصية؛
- انشغال المتحرش بالضحية يلهيه عن تحقيق أهداف المؤسسة؛
- عزوف ضحايا التحرش عن العمل مما يؤثر سلبا على سوق الشغل؛
- محاولة المؤسسات المنافسة استغلال هذه النقطة لتحقيق السبق؛
- خلق سفريات وتنقلات قد لا تكون ضرورية وتثقل كاهل الشركة، ولكن لمجرد الانفراد بالضحية؛
- حرمان المؤسسة خبرة الضحية التي انتقلت أو استقالت بسبب التحرش؛
- قد تعرف المؤسسة جوا من الاحتقان الضغط تقهقر القيم وانحطاط المستوى الأخلاقي في التعامل بين مختلف الأطراف.
لماذا تصدّق الأجيرة مبدئيا في قضية التحرش الجنسي
- الحفاظ على مورد الرزق والاستقرار المادي عاملان أساسيان للبقاء في العمل؛
- تقدير عواقب الوشاية الكاذبة في حالة عدم ثبوت الإدعاء؛
- انعدام تضارب المصالح مع المؤجر، لمحاولة توريطه بدون سبب؛
- انعدام السوابق في هذا الادعاء، ما يجعله موضع ثقة؛
- شواهد عمل سابقة للأجيرة تؤكد حسن السيرة والخلق؛
- أقدمية في العمل تشهد على الانضباط؛
- عدم وجود خصومة قضائية مع المؤجر؛
- شهادة شهود في وقائع توحي بذلك؛
- وجود أثر اعتداء أو إيذاء أو ما نحوه؛
- شخص الفاعل وطبعه وخلقه؛
- ظروف ارتكاب الجرم توحي بإمكانية وقوعه.
مقترحات للتغلب على الظاهرة
- وضع مدونة أخلاقيات العلاقة الشغلية بين كل الأطراف المعنية؛
- إعداد دورات تدريبية للعمال والموظفين ضد مكافحة التحرش الجنسي، لأنه حينما أشعرك أنك شرطي يصعب عليك لعب دور المجرم ؛
- إحداث لجنة إقليمية لتتبع الحالات الشاذة أو المصرح بها “ نظرية الوصم“؛
- إبلاغ المتحرش بأن سلوكه يسبب عدم الارتياح حتى يكف عن الأمر.؛
- إبلاغ إدارة الموارد البشرية أو النقابة، دون الإفصاح عن هويتك إذا رغبت؛
- اعتماد تصاميم المساحات المطلقة والحيطان الزجاجية والستائر الشفافة في المكاتب والإدارات والمصانع، لتفادي حالات الانفراد بالضحايا؛
- تعليق صور وملصقات بجانب قانون الشغل تذكر بمخاطر التحرش؛
- سبورة الإفشاء، تعليق سبورة يكتب عليها وجود حالة تحرش دون ذكر اسم الفاعل ولا المفعول، وذلك لخلق الرهبة لدى المتحرش؛
- الإبلاغ عن التحرش داخل أجل معقول تفاديا للانتقام أو الابتزاز من طرف الضحية؛
مقترح عملي وفعال للرد على المتحرشين
المادة 124 من ق ج الفقرة 3: إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة للدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء.
عبد العالي المصباحي
Comments