top of page
Rechercher

العنف ضد المرأة هل هو عنف مجتمع

بسم الله الرحمان الرحيم

أولا وقبل كل شيء

تحية لكل أم و زوجة وبنت وأخت و كنّة تحية حب وتقديرمنا لكن أينما كنتن

فلولاكن ما ولدنا وما كنّا وما اتبعنا السنة ومن أراد الجنة فهي حتما تحث أقدامكن

العنف ضد المرأة بين الماضي والحاضر

يبقى القرآن هو أول مصدر من مصادر التشريع الوضعي، ما يجعل من التشريعات والقوانين تنزيلا حقيقيا لتعاليم الدين الإسلامي وصورة مطابقة لمضامينه في تأطير المعاملات بين الناس من احترام الحقوق والتقيّد بالواجبات والتصرف بحسن الخلق في كل مظاهر الحياة العامة، كما نجد ـ ترتيبا ونزولا ـ في التشريعات الوضعية حضور العادات والتقاليد وما استقر عليه أهل البلد، حتى أنه يقال المعروف عرفا كالمشروط شرطا، وهكذا ولأن المغرب كان ولازال يسمى ببلد الملكيين والمالكين، فإن تعاليم الدين السمح كانت حاضرة بقوة في معاملات المغاربة لتعلمهم إياها عرفا وعادة أكثر منه تعليما دينيا وأكاديميا. فأثّر ذلك إيجابا على التشريع الجنائي المغربي، حيث لم يهتم بالتجريم إلا فيما كان يراه لازما لضبط المعاملات اليومية، فنجده مثلا لم يخصص حيزا واسعا في تجريمه لمسألة العنف ضد المرأة كما هو عليه الأمر الآن، لأن المرأة آنذاك كانت من الحرمات التي لا يمكن التطاول عليها أو التفكير في إيذائها لما كان لها من حظوة ورعاية واهتمام، وهكذا بدأ المشرع المغربي يتدخل شيئا فشيئا لزجر هذه الظاهرة،بتعديل فصول ووضع قوانين تجرّم بعض التصرفات التي بدأت تطفو على الواقع المعيش، بسبب تحول سلوكيات المواطنين وتغيّر عاداتهم في كثرة رحيلهم وترحالهمواختلاط أعراقهم.

وهنا لابد من طرح السؤال الفيصل في النازلة، وهو عن أي نوع من العنف نتكلم؟

• هل هو عنف الجنس الآخر ضد المرأة؛

• هل هو عنف رجل الشارع أم عنف دوي الأرحام والنسب والمصاهرة؛

• هل هو عنف المرأة ضد نفسها وشخصها؛

• هل هو عنف مجتمع بأكمله ضد المرأة.

أظن أن كل هذه الأشكال من العنف، هي موجودة أو محتملة الوقوع، ولكن يبقى العنف الأكثر انتشارا هو عنف مجتمع بأكمله في مواجهة المرأة، لماذا لأن كل مكونات المجتمع من مؤسسات عمومية، أوأسرة وعائلة وفرد وجماعة، لها يد في هذا العنف الذي يأخذ أشكالا مختلفة باختلاف الفاعل وظروف الارتكاب وملابسات الواقعة.

فالمشرع مسؤول بعدم مسايرته لتطور الجريمة بسلسلة تشريع آنية ومواكبة لزجر ما استجد من أفعال تحدث اضطرابا اجتماعيا؛ والمجلس البلدي مسؤول بعدم إضاءته للممرات المظلمة في المدن تفاديا للاستفراد بالمارة؛

والقوة العمومية مسؤولة عن التأخر في التدخل إثر استنجاد أحد الضحايا، وعن عدم إحداث مراكز أمن لتفعيل سياسة القرب والحضور الأمني؛

ورب العمل مسؤول عن عدم تصميم مؤسسة يغلب عليها طابع الشفافية، منعا للخلوة والاستفراد، للقضاء على كل أشكال التحرش الجنسي بالعاملات والمستخدمات؛

والقضاء مسؤول حينما يسوّي في وسائل الإثبات مثلا،ما بين القضايا العامة وقضايا العنف ضد الزوجة التي عنفها زوجها ببيت الزوجية وفي غياب الشهود؛

والهيئات المدنية مسؤولة وهكذا دواليك فالكل مسؤول من أكبر مؤسسة إلى أصغرها، ومن جماعة إلى فرد.

العنف ضد المرأة وموقف المشرع المغربي

بدأت سلسلة من التعديلات التي عرفها القانون الجنائي بدء من سنة 1967 ثم 1974ـ 77ـ 82 ـ 94 ـ 99 لتعرف مجموعة القانون الجنائي تقريبا تعديلا في كل سنة إلى أن وصلنا إلى القانون الإطار رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء سنة 2018. وهنا لابد من فتح قوس لقراءة عنوان هذا القانون الذي جاء تحث إسم محاربة العنف ضد النساء، والذي فيه من الإشارات القوية للمشرع ما يؤكد رغبته في القضاء على هذه الآفة، فقال محاربة ولم يقل مكافحة أو القضاء أو تجريم أو مناهضة العنف ضد النساء،والمحاربة مشتقة من حرب وهي تجند الجميع للقضاء على العدو، كما جاء بكلمة نساء في صيغة الجماعة وذلك لإدخال جميع الأطياف العمرية مجتمعة، فلم يقل ضد المرأة حتى لا تستثنى الطفلة والبنت والعجوز، كما لم يقل الزوجة أو الأنثى حتى لا يسقط في الحماية الفئوية أو النوع الجنسي.

وحقيقة الأمر أن من أول التعديلات التي تنبهت لمسألة العنف الزوجي، نجد القانون رقم 07.03 الذي أدخل تعديلا على المادة 404 من القانون الجنائي التي كانت تعاقب على العنف ضد الأصول لتضيف العنف ضد الزوج والكافل، ثم ضاعفت العقوبة في حق الفاعل،رغبة من المشرع في تحقيق الردع بنوعيه الخاص والعام.

ثم صدر قانون 27.14 بتاريخ 19 سبتمبر 2016 الخاص بالاتجار بالبشر، الذي جاء بالدرجة الأولى لمكافحة جميع أشكال الاستغلال الجنسي ودعارة الغير والعمل القسري والسخرة والتسول والاسترقاق ونزع الأعضاء والأنسجة البشرية، ليحمي بالدرجة الأولى الفئات المستضعفة والمغلوب على أمرها، وتدخل هنا المرأة بالدرجة الأولى.

ثم جاء قانون 19.12 سنة 2016 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، والذي جاء بالأساس لحماية النساء وخصوصا القاصرات منهن على الخصوص.

لقد بدأت نظرة المشرع تتغير من تشريع ذكوري محض إلى تشريع يراعي خصوصيات المرأة وتكوينها البيولوجي والنفسي، ويوفر لها الحماية القانونية الكاملة فيما تحتاجه في معاملاتها اليومية والاجتماعية.

وعلى ذكر التشريع الذكوري كنا نجد مثلا الفصول 494 و 495 و496 من القانون الجنائي التي تعاقب كل من أو حمل الغير على { اختطاف امرأة متزوجة أو غرر بها أو نقلها من المكان الذي وضعها فيه من لهم ولاية أو إشرافعليها أو من عهد إليهم بها، وكل من تعمد إخفاءها أو تهريبها أثناء البحث عنها، وكل من تعمد إخفاء امرأة متزوجة هاربة من سلطة من له الولاية القانونية عليها}،والعقوبة هنا من سنة إلى خمس سنوات. وإن كانت هذه الفصول لازالت سارية المفعول إلا أنها أصبحت شبه معطلة من طرف النيابات العامة، التي اتجهت استراتيجيتها الجنائية حول حماية المرأة والبحث عن مصلحتها الفضلى، وكذلك مع صدور مدونة الأحوال الشخصية التي أعطت للمرأة الحق في الطلاق الاتفاقيأو الطلاق للشقاق للضرر، لأن هذه المشاكل كانت في الغالب هي السبب في هروب هذه المرأة المتزوجية من بيت الزوجية.

كما كنا نجد الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي قبل حذف فقرته الثانية ـ والتي سبق وطالبت بدوري بحذفها في كتابي الصادر سنة 2004 بعنوان العنف ضد المرأة بين الواقع والقانون ـ كان ينص على ما يأتي:من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ستة عشر عاما،بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك،يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم. ومع ذلك، فإن القاصرة التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان فعلا،

فبقراءة متأنية لهذه الفصول نجد أن المشرع كان يحمي الذكور وهم الزوج والأب ومن له الولاية القانونية على المرأةومن عهد له بها، وكأننا نتكلم عن بضاعة أو أمانة أو شخص قاصر عديم أو ناقص التمييز.

ولأنه مشرع دو نظرة ذكورية كذلك،لم يجرّم في مدونة الشغل في الفصل 39 التحرش الجنسي الصادر عن الأجير واكتفى بعبارة التحريض على الفساد، في حين جرّم في الفصل 40 التحرش الجنسي الصادر عن المشغل في حق الأجيرة، وكأن وضعية الأجير المادية أو الإدارية في الشركة لا تسمح له بارتكاب فعل التحرش الجنسي ضد المؤجرة أو الزميلة،وأن وضعية المؤجر المالية ومكانته الوظيفية تسمح له بارتكاب فعل التحرش الجنسي ضد الأجيرة، لما له من إمكانيات مغرية ومحفزة على قبول الفعل من طرف الضحية، فتناسى المشرع أول مصدر للتشريع وهو القرآن والذي جاء فيه في سورة يوسف أن امرأة العزيز هي أول متحرشة بخادمها سيدنا يوسف،ومع ذلك جرم تحرش الرجل بالمرأة ولم يتصور تحرش المرأة بالرجل.

العنف ضد المرأة والدستور المغربي

بفضل نضال المجتمع المدني من هيئات غير حكومية وجمعيات حقوقية وذات الاهتمام، بدأ المشرع المغربي في إدخال التعديلات الضرورية على القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، حيث كانت أول انطلاقة حقيقيةلتكريس الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية مع دستور 2011 ، الذي جعلها حقا دستوريا تلتزم الدولة بجميع مؤسساتها بتوفيره لكل مواطن، وهكذا نجدالدستور ركز في تصديره على حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما،والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان.

فجاء الفصل 19 من الدستور لينص على: يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية،كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدإالمناصفة بين الرجال والنساء. وتُحدث لهذه الغاية،هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز

الفصل 20 : الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق

الفصل 21 : لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه،وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع

الفصل 22: لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت،خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد،جريمة يعاقب عليها القانون.

العنف ضد المرأة وموقف القضاء المغربي

تضمن قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء تعريفا للعنف النفسي، حيث حددت المادة الأولى من هذا القانون تعريفه في “كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء كان بغض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها، وهكذا عرفت إحدى محاكم المملكة صدور أول حكم قضائي يعاقب على العنف النفسي طبقا لقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء،حيث اعتبرت المحكمة أن “قيام المتهمين بمنع المشتكية من التوجه إلى منزلها، رغبة منهما في قضاء ما تبقى من الليل معها، دون موافقتها”، يشكل في حد ذاته “عنفا نفسيا في حقها وذلك بسبب جنسها بمفهوم الفصل الأول من قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ، مادام الأمر لم يتطور لعنف جسدي أو احتجاز أو محاولة هتك عرض أو اغتصاب ومع ذلك أدانت المتهمين بالعنف النفسي لتوافر عناصره التكوينية حسب الفصل الأول. كما قضت المحكمة الإدارية بالرباط، برفع الخصوصية والسرية عن الحساب البنكي للمطلق لفائدة طليقته لتحديد نفقة الأبناء انطلاقا من مدخرات الطليق في حسابه البنكي. كما عرفت عدد من المحاكم مؤخرا متابعات من لأجل الاتجار بالبشر كان ضحيتها مستخدمات في مواجهة مشغلهم أو طالبات في مواجهة أساتذتهم، أو ما يصطلح عليه بالجنس مقابل النقط، وتبقى هذه الظاهرة من أحط الممارسات اللاأخلاقية، لما فيها من خلط ما بين قيم العلم وسموّه،وبخس البغاء ودناءته. وما دام هذا العنف لازال قائما ومتجددا في أشكاله وتجلياته، فأقول لقرائي الأعزاء يتبع ولا يختم، في انتظار التواصل معكم في تتمة الموضوع وبما ستجود به الأيام المقبلة من إرادة قوية في القضاء على هذه الآفة.

عبد العالي المصباحي

12 vues0 commentaire

Posts récents

Voir tout

دور محكمة النقض

تتربع محكمة النقض على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي، و يشمل نفوذها جميع التراب الوطني. أحدثت محكمة النقض، غداة الاستقلال و كانت تسمى آنذاك بالمجلس الأعلى، إلى أن تم تغيير هذه التسمية بمقتضى الظهير ا

مقترح مشروع النظام الأساسي للنيابة العامة

​ الفصل الأول : يتألف السلك القضائي للمملكة من قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بكل من محكمة النقض والمحاكم الاستئنافية والابتدائية والماليةوالعسكرية, ويشمل أيضا القضاة الممارسين بوزارةالعدل والقضاة

bottom of page