top of page
Rechercher

القضاء الواقف ودور المرافعة في الدفاع عن الحق العام


من إعداد : عبد العالي المصباحي محامي عام بمحكمة النقض باحث في الشأن القانوني تخصص نيابة عامة

المرافعة هي طلب رفع الظلم وتحقيق العدالة بتطبيق القانون، فقد تكون بالتماس حكم بأقصى العقوبات، كما قد تكون بالتماس حكم بالبراءة متى كانت البراءة هي العدالة نفسها.

المرافعة في أبيات شعرية

المرافعة لا تتجزأ فـردا فردا فمن حضر المناقشـة هو الأجدى

والتقيّد بصك المتابعة مؤكدا ما لم يطرأ بالجلـسة أمـر مجددا

وقف مستئذنا وصور مشهدا لتشد انتباها وبـال شــخص شرد

وجادل بالمنطق واطلب مددا فالـعيـب أن يـذهـب الـحق سـدى

ولا تدر في قولك للشك منفذا فخطبك بالشاهد والإثبات استشهد

وأكد الملتمس دفعا ودفاعا كذا وإدانـــة بـعـقـوبـة محـددة المـدى

وتدابير وقائية وصفا وعــددا ومصـادرة الأدوات مـالا وعتادا

ولا تدع ظنينا باسم فاعل معرفا فذاك قـبل الحكــم قـد يكون قذفا

وبادر بالحكم والأمثال تدعيما ولقرارات النقض في كلامك قيمة

وارفع نبرة للصوت متى وقع لتـدفـــئ جــو المجـلس إن صقع

وليس عيب في البراءة إن طلب متى اليـقـين علــى الضـن غلب

واسترسل في القول ولا تطنب فكثرة اللــغو في الجد قد تغضب

ما هي المرافعة

المرافعة هي الفيصل في كل محاكمة، وهي الركن الحاسم فيها، الذي يتقرر على إثره مآل الحكم. لما تتضمنه من بيانات وأدلة ودفوع توضح الرؤية لدى المحكمة، وسميت بالمرافعة لأنها ترفع الأمور إلى المحكمة، أي تقدمها بين يديها في سمو وبيان ووضوح وكفاءة، فتكون رفيعة، أي عالية وراقية. ويقال ترافعا إلى الحاكم تحاكما لديه.

وهي قديمة قدم البشرية إذ عرفت منذ عهد البابليين والفرس وعند بني إسرائيل، حيث جادلوا موسى في أمر ربه بذبح بقرة، فجاءهم بإحدى عشرة حجة ودليل، فذبحوها وما كادوا يفعلون. وفي الحضارة الإسلامية، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون لدي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما اقتطع له قطعة من النار ”.

وهذا يؤكد ما للمرافعة من أهمية في تنوير المحكمة والتأثير عليها وتغيير مآل القضية لصالح طرف دون الآخر. لما من شأنها من استمالة للمستمع وجره إلى ما يصبو إليه المترافع من تثبيت واقعة أو نفيها.

المرافعة قانونا

المرافعة في القانون هي الوسيلة التي يعتمدها أطراف الدعوى لتوضيح شكواهم أمام المحكمة أو نسب أمر للخصم أو نفي ما نسب إليهم من طرفه، وهي خطبة مفصلة تكون غالبا شفهية أو مكتوبة تنحصر في الدفاع عن موقع صاحبها في الدعوى، وهي حكر على ثلاثة أصناف فقط وهم، ممثل الحق العام وهو ممثل النيابة العامة، محاميي الأطراف، ثم المتهم أو الظنين متى لم يكن مؤازرا بمحامي.

لم يعرف المشرع المغربي المرافعة في قانوني المسطرة المدنية أو المسطرة الجنائية، وإنما تفهم الكلمة من سياق النصوص التي أشارت إليها صراحة أو ضمنيا، مثلا المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية : يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها،.... وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة. المادة 278 من قانون المسطرة الجنائية : لا يمكن للمحكمة أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها.

والمادة 306 من قانون المسطرة الجنائية جاء فيها: تجرى المناقشات بعد انتهاء البحث.....يقدم الطرف المدني طلبه، تقدم النيابة العامة ملتمساتها، يعرض المتهم دفاعه وكذا المسؤول عن الحقوق المدنية عند الاقتضاء...

ولعل هذه المادة هي الأكثر ضبطا لمفهوم المرافعة، إذ سمتّها بتسميات مختلفة باختلاف من صدرت عنه، فكانت المرافعة طلبا متى صدرت عن الطرف المدني، ولهذا يسمى بالمطالب بالحق المدني، لأن مرافعته تنحصر في المطالبة بتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء الفعل المجرم. وسميّت المرافعة ملتمسا متى صدرت عن النيابة العامة وهي ممثلة الحق العام والساهرة على مدى احترام تطبيق القانون، لهذا تكون كل مطالباتها بتحريك المتابعات وإنزال العقوبات بالمخالفين للقانون، بمثابة ملتمسات ترفع للقضاء للبث فيها، احتراما لرفعة القضاء ومكانته واستقلاله، ما جعل هذه الطلبات تسمى ملتمسات. ثم سمّيت المرافعة بالدفاع متى صدرت عن المتهم وكذا المسسؤول عن الحقوق المدنية، لأن كلاهما مطالب بدفع التهمة عن الأول حتى لا تترتب الجزاءات القانونية، التي من شأنها إدانة الأول بالعقوبة والثاني بالتعويض.

ثم جاءت المادة 427 من نفس القانون التي نصت على ما يلي : تستمع المحكمة للطرف المدني وتقدم النيابة العامة ملتمساتها...

المادة 31 من قانون المسطرة المدنية : ترفع الدعوى بمقال مكتوب أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا...

المادة 43 من قانون المسطرة المدنية : يجب على الخصوم شرح نزاعاتهم باعتدال....

المادة 91 من قانون القضاء العسكري : ............ يتلو كاتب الضبط عقب كل جلسة على مسمع المتهم المتغيب في مكان وجوده، وباللغة التي يفهمها أو عن طريق ترجمتها بواسطة ترجمان، ما يتضمنه محضر المناقشات ومرافعات النيابة العامة والأحكام الصادرة والتي تكون كلها بمثابة حضورية.

دور النيابة العامة في الدفاع عن الحق العام

النيابة العامة جهاز قضائي يحرك الدعوى العمومية ويمارسها باسم المجتمع ونيابة عنه، للدفاع عن الحق العام وعن حق الدولة في إنزال العقاب، لهذا نجد المشرع قد أعطاها حق احتكار هذا الاختصاص واستثناء مكّن بعض الإدارات والمشتكي في نطاق ضيق لممارسة هذا الحق، وإن كانت النيابة العامة هي التي تتابع باقي الإجراءات في جميع الأحوال، وهذا ما يجعل لها الولاية العامة في جميع القضايا فتكون طرفا أصليا فيها أو كما يحلو للبعض بتسميتها بالطرف الإيجابي في الدعوى العمومية. وعلى خلاف ما يعتقد البعض أن استفراد النيابة العامة بهذه الامتيازات والسّلط في تسيير ومراقبة الدعوى العمومية، قد يجعلها متحكمة في مآل القضايا ومصائر الأفراد، وقد تميل للشطط في استعمال هذا الحق. لكن من وجهة نظري يبقى هذا مجرد رأي ضيق الأفق ولا يعكس واقع الحال، لأن النيابة العامة هي مقيدة أصلا بضوابط وقوانين تجعلها ملزومة قانونا وقضاء بالسهر على تطبيق القانون دون الإفراط في استعماله، وهذا من خلال النقط التالية:

1ـ النيابة العامة تملك حق تحريك الدعوى العمومية دون الحق في التنازل عنها. اللهم ما نصت عليه المواد 41-372-461 من ق م ج، التي تعطيها الحق في الإشهاد على الصلح أو المطالبة بوقف سير الدعوى العمومية، لما في ذلك من مصلحة للأطراف. ولأن الاستمرار في التقاضي لن يحقق الغرض المطلوب من العدالة؛

2- التسلسل الإداري في النيابة العامة يعطي الحق للمتقاضي لرفع تظلمه لكل رئيس عن أعمال مرؤوسه، وفي هذا حصانة لكل فرد من أعمال قد تكون مشوبة بالشطط في استعمال السلطة؛

3- تعدد أوجه اللجوء إلى القضاء لا يجعل من النيابة العامة المتحكم الوحيد في مسار القضايا الزجرية، ومنها مثلا الاستدعاء المباشر الشكاية المباشرة أمام قاضي التحقيق طلب إخراج الشكاية من الحفظ لظهور أدلة تفيد في تحريك المتابعة، اللجوء إلى مؤسسات دستورية مهتمة بتظلمات المواطنين، كمؤسسة الوسيط؛

4- وحدة النيابة العامة تجعل منها جهازا قائم الذات، لا يتحكم فيه شخص معين وإنما كل قاض بها يمثل الآخر و ينوب عنه. بحيث لا ينحصر التعامل فيها مع مسؤول واحد دون غيره؛

مرافعة النيابة العامة

نصت المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية : تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون....

المادة 40 يطالب وكيل الملك بتطبيق العقوبات المقررة في القانون ويقدم باسم القانون جميع المطالب التي يراها صالحة.....

وهذا يظهر مدى العبء الملقى على ممثل النيابة العامة في كل محاكمة، فهو في مهمة صعبة يحاول من خلالها إقناع المواطن العادي أي الرجل متوسط الذكاء، ثم رجل القانون ثم القاضي وهو المتخصص في المادة، ثم قرينه وهو المحامي ولما لا المتهم نفسه. خصوصا وأن النظام المتبع في المغرب هو مبدأ ملاءمة المتابعة وليس شرعية المتابعة. ترافع النيابة العامة في القضايا بصفتها ممثلة للمجتمع وحامية للحق العام وساهرة على احترام النظام العام، فهي من جرّت المتهم أمام القضاء لمحاكمته من أجل جرم نسبته إليه، بعدما تأكد لها ارتكابه من طرفه، فيقف ممثلها أمام المحكمة ليبين بما ليس فيه شك أن المتهم هو من اقترف ما نسب إليه، وأن ذلك أحدث اضطرابا اجتماعيا يستوجب العقاب لتحقيق الردع بنوعيه الخاص والعام. وفي هذا تقوم بكل ما من شأنه ربح رهان المتابعة لإيقاع العقاب، ويمتد هذا الجهد في جميع مراحل الدعوى.

الحق العام والمصلحة العامة

كل الحقوق المسطرة دستوريا هي حقوق عامة، انبثقت قوانين عن الدستور لحمايتها، فالحياة حق حماها القانون بمنع القتل ومنع الاعتداء الجسدي وعدم هتك حرمة الجسد ومنع التعذيب والاختطاف، وإن كانت هذه الحقوق تطبع بالخصوصية إلا أن عموميتها في امتداد آثار الحق إلى الغير، فتصبح حقا عاما، من واجب النيابة العامة الدفاع عنه. فكل حق خاص زجر انتهاكه فهو حق عام، ما لم تقيد شروط التقاضي بشأنه. وهنا تبدأ المصلحة العامة، جاء بالمادة 520 من ق م ج التي جاء فيها: "يقدم الطعن بالنقض من النيابة العامة لمصلحة المجتمع". ولم يقل لفائدة القانون

المصلحة العامة : مصلحة المجتمع أو المصلحة العامة L’intéret général حسب مفهوم المادة 520 هي مصلحة الجميع أي الدولة بكل مؤسساتها والأفراد بما فيهم الأجيال الحاضرة والمقبلة. وذلك بمقابلة مصلحة الفرد وخلق توازن أو تغليب في بعض الأحيان للمصلحة العامة عن الخاصة، مادام الفرد يذوب في الجماعة. لهذا نجدها هي غاية المشرع في كل القوانين، وقوام هذه المصلحة العامة هي : العدالة – الاستقرار – التطور.

- العدالة هي التوازن الذي يجب تحقيقه بين المصالح المتعارضة، وهي ثلاثة أنواع في هذا الباب:

- عدالة مساواة متى كانت بين شخصين؛

ـ عدالة توزيعية متى تعلقت بمصلحة الأفراد تجاه الدولة؛

ـ عدالة تكليفية متى تعلقت بمصلحة الدولة تجاه الأطراف.

- الاستقرار هو مجموعة مفاهيم توطد للتعايش في مجتمع واحد مثل:

ـ تقوية مبدأ العقد الاجتماعي؛

ـ استقرار التشريعات؛

ـ عدم رجعية القوانين؛

ـ عدم جواز استيفاء الحق بالذات ( الانتقام والثأر)؛

ـ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

ـ الحق في المعلومة

- التطور هو تنمية العنصر البشري بتحقيق التقدم المادي والمعنوي في مستوى العيش المجتمعي والاستقرار المؤسساتي.

وهذه المصلحة العامة هي التي تكسب النظام الحاكم شرعيته وبقاءه. وتعطي للنيابة العامة سلطة الاتهام والمتابعة باسم المجتمع.

فهل ممثل النيابة العامة في إطار مرافعته هو مقيد بالتعليمات القانونية والمكتوبة لرئيسه المباشر أو الأعلى ؟

مضمون المرافعة

إذا كان من أركان المرافعة :

ـ المحكمة المختصة (القاضي ـ الهيئة ـ قاضي التحقيق)؛

ـ انتهاء الأبحاث المادة 306؛

ـ الشفهية (الكتابة ـ الإشارة)؛

ـ العلنية المادة 300 (السرية)؛

ـ التقيد بموضوع الدعوى المادة 298 ( فصول المتابعة ـ حدود الضرر)

ـ الحضور الشخصي ( النيابة عن الزميل أو ممثل الحق العام).

فإنه لابد من أن تتضمن ما يلي:

- كسب تعاطف الحاضرين، وذلك بإقناعهم بأنهم كلهم ضحايا لهذه الجريمة، التي أضرت بالمجتمع بأكمله؛

- إثارة انتباه المحكمة أنها المسؤول الوحيد عن إرجاع الأوضاع إلى حالتها الطبيعية بإحقاق العدالة وتطبيق القانون وتحقيق الأمن القضائي؛

- استمالة الدفاع وتذكيره بأنه مسؤول بدوره عن مساعدة القضاء في تحقيق العدالة، وإن كان يؤمن مصالح مؤازره، فحقوق مؤازره تذوب في حقوق المجتمع، ما دام الفرد يذوب في الجماعة؛

- توجيه الموعظة للمتهم بين مد وزجر بين اتهام والتماس أعذار، بين إمكانية الوقوع في الخطأ والإصرار على البقاء في الخطيئة؛

- الاستشهاد بالقرآن وبالأبيات الشعرية والأمثال الشعبية والقواعد الفقهية والاجتهادات القضائية التي عالجت نفس المسألة؛

- توضيح نوع الضرر بنوعيه وأثره على استقرار المجتمع للمطالبة بتحقيق الردع بنوعيه؛

- إعادة تذكير الجميع بأجوبة الظنين أو شهادة الشهود التي كانت مفتاحا أو دليلا على ارتكاب الفعل واقتراف الجرم؛

- التكلم بصفة الجمع في إشارة أنك تمثل المجتمع؛

- دحض مزاعم الخصم بالحجة والدليل وكشف التناقضات؛

- التقيد بالعبارات الواردة في فصول المتابعة وليس بمرادفاتها؛

- أن يكون الاحترام والتقدير هو عنوان وبسملة كل مرافعاتك؛

- تكسير الروتين والرتابة بقصيصة مشابهة من باب الاستملاح؛

- ترقب رد فعل الحاضرين، فلا تفرح للتصفيق ولا ترتبك للصفير

- كتابة المرافعة وتقديمها فهي ملتمس يرجع إليه عند الحاجة؛

- إلباس الواقعة على القالب القانوني لتقريب الصورة للمستمع؛

- سرد التكييف القانوني للحالة دون ذكر المتشابه والمتعدد؛

- تبيان حالة التلبس والقصد الجنائي وظروف التشديد وحالة العود إن وجدت؛

- التماس العقوبة الأصلية المطلوب إنزالها وكذا العقوبات الإضافية الممكنة والتدابير الوقائية؛

- تذكير المحكمة بما يجب إتلافه إن وجد والبت في المحجوز؛

- ولا تجعل مرافعتك مملة فيغفو عنها الجميع.

عبد العالي المصباحي

25 vues0 commentaire

Posts récents

Voir tout

دور محكمة النقض

تتربع محكمة النقض على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي، و يشمل نفوذها جميع التراب الوطني. أحدثت محكمة النقض، غداة الاستقلال و كانت تسمى آنذاك بالمجلس الأعلى، إلى أن تم تغيير هذه التسمية بمقتضى الظهير ا

مقترح مشروع النظام الأساسي للنيابة العامة

​ الفصل الأول : يتألف السلك القضائي للمملكة من قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بكل من محكمة النقض والمحاكم الاستئنافية والابتدائية والماليةوالعسكرية, ويشمل أيضا القضاة الممارسين بوزارةالعدل والقضاة

bottom of page