top of page
Rechercher

دور محكمة النقض

تتربع محكمة النقض على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي، و يشمل نفوذها جميع التراب الوطني. أحدثت محكمة النقض، غداة الاستقلال و كانت تسمى آنذاك بالمجلس الأعلى، إلى أن تم تغيير هذه التسمية بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.170 الصادر في 27 من ذي القعدة 1432 ( 25 أكتوبر 2011 ) بتنفيذ القانون رقم 58.11 المتعلق بمحكمة النقض، المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 1.57.223 الصادر في 2 ربيع الأول 1377 ( 27 سبتمبر 1957 )بشأن المجلس الأعلى.

تنظيم محكمة النقض:

يترأس محكمة النقض الرئيس الأول الذي يتوفر على اختصاصات قضائية و إدارية، و يسهر على حسن سير الغرف و كتابة الضبط كما يترأس مكتب المحكمة. ويمثل النيابة العامة في محكمة النقض الوكيل العام للملك يساعده المحامي العام الأول و المحامون العامون.

تتكون محكمة النقض من ست غرف:

1. الغرفة المدنية (تسمى الغرفة الأولى)،

2. غرفة الأحوال الشخصية والميراث،

3. الغرفة التجارية،

4. الغرفة الإدارية،

5. الغرفة اجتماعية،

6. الغرفة الجنائية.

الاختصاصات:

يحدد اختصاص محكمة النقض قانون المسطرة المدنية من الفصل 353 وما بعده، و قانون المسطرة الجنائية من الفصل 518 وما بعده،و قانون المحاكم الإدارية و محاكم الاستئناف الإدارية الفصل 16 من قانون 03. 80، و قانون المحاكم التجارية و محاكم الاستئناف التجارية وقانون القضاء العسكري من الفصل 122 وما بعده، والمادة 114 من الدستور بخصوص الطعن في مقررات المجلس الأعلى للسلطة القضائية، و غيرها من النصوص.

إن الدور الأساسي لهذه المؤسسة القضائية يتجلى في مراقبة تطبيق القانون من طرف محاكم الموضوع سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع.

تنظر محكمة النقض في القضايا التالية:

طلبات النقض المرفوعة ضد الأحكام الاستئنافية و الأحكام النهائية التي تصدرها محاكم الاستئناف

و غيرها من المحاكم على اختلاف درجاتها

طلبات إلغاء المقررات الصادرة من السلطات الإدارية بدعوى الشطط في استعمال السلطة.

كما تنظر محكمة النقض علاوة على ذلك فيما يلي:

الطعون في التصرفات التي يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم،

البت في تنازع الاختصاص بين محاكم لا توجد فوقها أية محكمة عليا مشتركة غير محكمة النقض،

الطلبات لأجل مراجعة الأحكام الجنائية أو التأديبية في دائرة الشروط المنصوص عليها في قانون التحقيق الجنائي.

دعاوى مخاصمة القضاة و المحاكم غير محكمة النقض،

قضايا التشكك في نزاهة الحكم،

سحب الدعوى من محكمة لموجب الأمن العمومي،

طلبات تسليم المجرمين للخارج.

إختصاصات الوكيل العام للملك

يمثل النيابة العامة بمحكمة النقض الوكيل العام للملك،يساعده المحامون العامون.

يعتبر حضور النيابة العامة إلزاميا في سائر الجلسات (الفصل 11 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي).

تحدد اختصاصات النيابة العامة بمحكمة النقض بمقتضى قانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية وقانون العدل العسكري ومقتضيات نصوص خاصة عند الاقتضاء.

الوكيل العام للملك

الوكيل العام للملك لدى المحكمة النقض قاض خارج الدرجة، وهو عضو بحكم القانون في المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 115 من الدستور)، وكذا في مكتب محكمة النقض بمقتضى الفصل 5 من المرسوم رقم 2.74.498 الصادر بتاريخ 16 يوليوز 1974 الصادر تطبيقا لمقتضيات الظهير بمثابة قانون رقم 1.74.338 الصادر بتاريخ 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة.

وبمقتضى الفصل 16 من الظهير أعلاه المتعلق بالتنظيم القضائي، للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض السلطة على أعضاء النيابة العامة بها وعلى مصالح كتابتها.

يراقب أعوان كتابة الضبط المكلفين بالمصلحة الجنائية أو المسندة إليهم مهام حسابية.

يمكنه أن يوجه مباشرة تعليمات وملاحظات إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف وإلى وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية.

يتعين عليه أن يبلغ للمجلس الأعلى الإخلالات التي قد يلاحظها على أي قاض من قضاة النيابة العامة.

المحامي العام الأول والمحامون العامون

يساعد المحامي العام الأول والمحامون العامون الوكيل العام للملك في تصريف أشغال النيابة العامة، كما يمثلونه في الجلسات المكلفين بها، ويعتبر المحامي العام الأول عضوا في مكتب محكمة النقض.

دور النيابة العامة في الميدان الجنائي

الجنايات والجنح المنسوبة لبعض القضاة أو الموظفين

تقوم النيابة العامة بمحكمة النقض بتقديم ملتمسات إلى الغرفة الجنائية بنفس المحكمة بإجراء التحقيق في الجنايات والجنح المنسوبة لبعض فئات القضاة والموظفين السامين المذكورين بالمادة 265 من ق.م.ج، وإذا ما قررت الغرفة المذكورة إجراء البحث، تعين عضوا أو عدة أعضاء من هيئتها لإجراء التحقيق حسب الكيفية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية.

وإذا تعلق الأمر بأصناف القضاة أو الموظفين المشار إليهم في المادة 266 من ق.م.ج، فإن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض يلتمس من الغرفة الجنائية بنفس المحكمة إجراء تحقيق، وفي حالة الإيجاب،تعين محكمة استئناف غير المحكمة التي يباشر في دائرتها المعني بالأمر مهمته.

الإحالة من أجل تشكك مشروع

يمكن للغرفة الجنائية بمحكمة النقض أن تسحب الدعوى من أجل تشكك مشروع من أي هيئة للتحقيق أو هيئة للحكم، وتحيلها إلى هيئة قضائية من نفس الدرجة حسب مقتضيات المادتين 270 و271 من ق.م.ج.

يودع الطلب بكتابة الضبط بمحكمة النقض إما من طرف الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، أو النيابة العامة بالمحكمة المرفوعة إليها الدعوى، أو المتهم، أو الطرف المدني.

الإحالة من أجل المصلحة العامة

لقد خص المشرع الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وحده،بتقديم ملتمس إلى الغرفة الجنائية قصد الأمر بالإحالة من أجل الأمن العمومي (المادة 272 من ق.م.ج).

ومن جهة أخرى، وبناء على نفس المادة، يمكن أيضا للغرفة الجنائية بمحكمة النقض، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى هذه المحكمة، أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف، أن تأمر بالإحالة لتحقيق حسن سير العدالة، بشرط ألا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع.

تجريـح القضــاة

يمكن تجريح كل قاض من قضاة الحكم في الأحوال المنصوص عليها في المادة 273 من ق.م.ج، أما قضاة النيابة العامة فلا يمكن تجريحهم طبقا للمادة 274 من نفس القانون.

- إذا تعلق الأمر بقضاة محكمة النقض أو بالرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف، فإن الرئيس الأول لمحكمة النقض يبت في طلب التجريح، ويمكنه أن يأمر إما بإيقاف متابعة التحقيق أو المناقشات،وإما بإيقاف صدور الحكم بعد استشارة الوكيل العام للملك.

طلبات النقض المرفوعة لفائدة القانون

تنقسم طلبات النقض لفائدة القانون إلى :

1. طلبات يرفعها تلقائيا الوكيل العام للملك بمحكمة النقض (المادة 559 من ق.م.ج) :

"إذا بلغ لعلم الوكيل العام للملك بمحكمة النقض أن حكما غير قابل للاستئناف صدر خرقا للقانون أو للصيغ الجوهرية المتعلقة بالإجراءات ولم يتقدم أي أحد من الأطراف بطلب نقض هذا الحكم داخل الأجل المقرر، تولى الوكيل العام للملك رفع هذا الطلب إلى المحكمة بصفة تلقائية.

فإن صدر الحكم بالنقض، فلا يمكن للأطراف الاحتجاج به ليتجنبوا مقتضيات الحكم المنقوض أو ليعارضوا في تنفيذه".

2. طلبات ترفع بأمر من وزير العدل وفقا للمادة 560 من ق.م.ج.

وفي هذه الحالة يمكن أن يستفيد المحكوم عليه من الإبطال من غير أن يضر بمصالحه ومن غير أن يكون له مفعول على الحقوق المدنية.

إعادة النظر وتصحيح القرارات

يجوز للوكيل العام للملك الطعن بإعادة النظر في القرارات التي تصدرها محكمة النقض في الحالات المنصوص عليها في المادة 563 من ق.م.ج :

1. ضد القرارات الصادرة استنادا إلى وثائق صرح أو اعترف بزوريتها؛

2. من أجل تصحيح القرارات التي لحقها خطأ مادي واضح يمكن تصحيحه من خلال عناصر مأخوذة من القرارات نفسها، ويقدم طلب التصحيح بمذكرة ترفع إلى الغرفة التي أصدرت القرار موضوع التصحيح؛

3. إذا أغفل البت في أحد الطلبات المعروضة بمقتضى وسائل استدل بها، أو في حالة عدم تعليل القرار؛

4. ضد القرارات الصادرة بعدم القبول أو بالسقوط لأسباب ناشئة عن بيانات ذات صبغة رسمية تبين عدم صحتها عن طريق وثائق رسمية جديدة وقع الاستدلال بها فيما بعد.

المراجـعــة

لقد نظم المشرع هذا الطعن بمقتضى المواد من 565 إلى 574 من ق.م.ج.

إن المراجعة وخلافا للطعن بالنقض لا تفتح إلا لتدارك خطأ في الوقائع تضرر منه شخص حكم عليه من أجل جناية أو جنحة.

يخول حق طلب المراجعة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بمبادرة منه أو بطلب من وزير العدل، أو الأطراف في الأحوال التالية :

1. إذا صدرت عقوبة في دعوى القتل، وأدلى بعد ذلك بمستندات أو حجج ثبت منها قيام قرائن أو علامات كافية تدل على وجود المجني عليه المزعوم قتله؛

2. إذا صدرت عقوبة على متهم، وصدر بعد ذلك مقرر ثان يعاقب متهما آخر من أجل نفس الفعل ولم يمكن التوفيق بين المقررين لما بينهما من تناقض، يستخلص منه الدليل على براءة أحد المحكوم عليهما؛

3. إذا جرت بعد صدور الحكم بالإدانة متابعة شاهد سبق الاستماع إليه وحكم عليه من أجل شهادة الزور ضد المتهم، ولا يمكن أثناء المناقشات الجديدة الاستماع إلى الشاهد المحكوم عليه بهذه الصفة؛

4. إذا طرأت واقعة بعد صدور الحكم بالإدانة أو تم الكشف عنها أو إذا تم تقديم مستندات كانت مجهولة أثناء المناقشات ومن شأنها أن تثبت براءة المحكوم عليه.

ويرجع حق طلب المراجعة في الحالة الرابعة إلى وزير العدل وحده، بعد استشارة لجنة مكونة من مديري الوزارة وثلاثة قضاة من محكمة النقض يعينهم الرئيس الأول لهذه المحكمة من غير أعضاء الغرفة الجنائية.

تسـليم المجرميـن

تخضع طلبات تسليم المجرمين لقانون المسطرة الجنائية، وتنظمها المواد من 718 إلى 745، ماعدا إذا نصت اتفاقيات دولية نافذة المفعول على مقتضيات مخالفة.

لا يمكن أن يسلم لدولة أجنبية أي شخص غير موجهة إليه تهمة أو محكوم عليه بعقوبة من أجل أفعال ينص عليها قانون المسطرة الجنائية.

يمكن للدولة المغربية أن تسلم لدولة أجنبية وبطلب منها، كل شخص غير مغربي يكون موضوع متابعة أقيمت عليه باسم الدولة الطالبة أو حكم أصدرته عليه محاكمها وهو موجود بتراب المملكة.

إذا اعتقل المعني بالأمر فيقدم إلى وكيل الملك، الذي وبعد استجوابه وإخباره بمضمون سند اعتقاله، يأمر بنقله إلى المؤسسة السجنية الواقعة بمقر محكمة النقض، ويوجه فورا الطلب والمستندات المدلى بها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض التي تحيلها إلى الغرفة الجنائية بنفس المحكمة.

دور النيابة العامة في الميدان المدني

تتدخل النيابة العامة بالمحاكم في القضايا المدنية كطرف أصلي أو كطرف منضم في الأحوال المشار إليها في الفصول من 6 إلى 10 من قانون المسطرة المدنية.

فيما يخص محكمة النقض فقد نص الفصل 11 -2 من الظهير الشريف رقم 1.74.338 بتاريخ 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة على مايلي :

»يعتبر حضور النيابة العامة إلزاميا في سائر الجلسات ويجب الاستماع إليها في جميع القضايا كيفما كان نوعها«.

الأحكام الصادرة خرقا للقانون أو لقواعد المسطرة

إذا علم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أنه صدر حكم انتهائي على وجه مخالف للقانون أو لقواعد المسطرة ولم يتقدم أحد من الأطراف بطلب نقضه في الأجل المقرر فإنه يحيله على محكمة النقض. إذا صدر عن هذه المحكمة حكم بالنقض فلا يمكن للأطراف الاستفادة منه ليتخلصوا من مقتضيات الحكم المنقوض (الفصل 381 من ق.م.م).

تجاوز القضاة لسلطاتهم

يحيل كذلك الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأمر من وزير العدل على هذه المحكمة بقصد الإلغاء، الأحكام التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم.

يقع إدخال الأطراف في الدعوى من طرف الوكيل العام للملك الذي يحدد لهم أجلا لتقديم مذكراتهم دون أن يكونوا ملزمين بالاستعانة بمحام.

تقوم الغرفة المعروضة عليها القضية بإبطال هذه الأحكام إن اقتضى الحال ويجري الإبطال على الجميع (الفصل 382 من ق.م.م).

الإحالة من أجل التشكك المشروع

يقوم الوكيل العام للملك بإيداع طلبات الإحالة من أجل التشكك المشروع بطلب من وزير العدل عند عدم تقديم هذا الطلب من الأطراف. ويبت في هذه الطلبات الرئيس الأول ورؤساء الغرف مجتمعين في غرفة المشورة، خلال الثمانية أيام الموالية لإيداع الطلب من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض طبقا لمقتضيات الفصل 384 من ق.م.م. مع مراعات مقتضيات قانون 17. 33 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة.

الإحالة من أجل الأمن العمومي

يحق لوزير العدل وحده أن يقدم بواسطة الوكيل العام للملك طلبات الإحالة من أجل الأمن العمومي ومن أجل حسن سير العدالة،(الفصل 385 من ق.م.م) ويبت في هذه الطلبات وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل 384 من نفس القانون.

مراقبة الخبراء القضائيين المسجلين بالجدول الوطني

بناء على مقتضيات البابين الرابع والخامس (المادتين 28 و32)من الظهير الشريف رقم 1.01.126 الصادر في 22 يونيو 2001 بتنفيذ القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين، يقوم الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها بمراقبة الخبراء القضائيين المسجلين بالجدول الوطني، وكذا بإنجاز تقرير مشترك بشأن كل إخلال ارتكبوه ويرفق بوثيقة تتضمن وجهة نظرهما.

يحال التقرير ومرفقاته على وزير العدل لعرضه على اللجنة المشار إليها في المادة 8 من القانون المذكور.

المتابعات ضد نقباء هيآت المحامين

يقوم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، تلقائيا أو تبعا لشكوى توصل بها، بتقديم المتابعات مباشرة ضد النقيب الممارس إلى محكمة الاستئناف غير تلك التي توجد الهيئة بدائرتها، عملا بمقتضيات المادة 72 من الظهير الشريف رقم 1.08.101 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2008 بتنفيذ القانون رقم 28.08 المنظم لمهنة المحاماة.


محكمة النقض كجهة تشريعية

إن قرارات محكمة النقض وإن كانت في ظاهرها هي الحكم الفاصل في طلب طعن قدم أمامها، إلا أنها في نفس الوقت تكون بمثابة تكريس لقاعدة قانونية، إما بإعطاء تفسير موحد لمضامين البنود القانونية، أوبسن قاعدة أو مبدأ تستنبطه من كنه المادة القانونية، لم يكن المشرع قد تطرق له بالتفصيل أو التعداد أو التوضيح المزيل للبس، وهذا ما يسمى بالاجتهاد القضائي، والذي قد يصدر عن غرفها فرادا أو مجتمعة، فيصبح هو الركيزة في العمل القضائي والمنهج الصحيح في إلباس القالب القانوني للوقائع،فتلزم المحاكم الدنيا بالعمل به وتطبيقه، كما يستشهد به الأطراف ودفاعهم في تأكيد مرافعاتهم، وقد ألزم المشرع في عدد من فصول القانون المحاكم الدنيا بالأخذ به من خلال التقيد بالنقطة القانونية التي أحالت من أجلها محكمة النقض الملف على محكمة معينة، كما هو الشأن بالنسبة للفصل 369 من قانون المسطرة المدنية والذي جاء فيه: ....... إذا بتت محكمة النقض في قرارها في نقطة قانونية تعين على المحكمة التي أحيل عليها الملف أن تتقيد بقرار محكمة النقض في هذه النقطة. والمادة 554 من قانون المسطرة الجنائية والتي جاء فيها: يتعين على المحكمة التي أحيلت إليها القضية بعد النقض أن تلتزم بقرار محكمة النقض فيما يرجع للنقطة القانونية التي بتت فيها....

وهكذا نجد كتاب القضاء الزجري والجرائم ذات الصلة بانتخابات أعضاء مجلس النواب دليل تطبيقي والصادر عن وزارة العدل،استشهد بعشرون قرارا لمحكمة النقض عن عدد من الجرائم الانتخابية ليشرح بها ويوضح قراءة محكمة النقض للفصول المعاقبة.

أما عن المحكمة الدستورية والتي تعتبر بمثابة صمام الأمن في كل التشريعات وذلك بالسهر على تعديلها وجعلها مطابقة للدستور، فإننا نجد عددا من قضاة محكمة النقض كانوا من بين أعضائها منذ إحداث المجلس الدستوري،وهذا يدل على مدى كفاءة وتجربة واقتدار هؤلاء القضاة في شغل هذه المناصب ومساهمتهم في سلسلة التشريع الوطني من هذه الزاوية.

محكمة النقض كجهة دبلوماسية

نعلم جميعا أنه في إطار التعاون القضائي الدولي، وفي إطار تبادل الوفود القضائية للزيارات فيما بينها أو بينها وبين المؤسسات الدولية، فإنه يتم إبرام اتفاقيات تخص التعاون القضائي، والتي تهم بالأساس التعاون وتبادل الخبرات والتجربة القضائية وتكوين المكونين وغيرها من الأمور التي تروم تجويد العمل القضائي والقانوني، وقد أبرمت محكمة النقض في هذا الإطار عددا مهما من الاتفاقيات والتي تبقى بمثابة إشعاع قضائي على المستوى الدولي، إذ همت عددا من الدول في مختلف قارات المعمور.

محكمة النقض كفاعلة أساسية في الحفاظ على الأمن القومي

بالإضافة إلى اختصاصاتها المتمثلة في السهر على التطبيق السليم للقانون وتوحيد واستقرار الاجتهاد القضائي الذي يعتبر الدعامة الأساسية في الأمن القضائي والمعاملاتي، فإنها ممثلة بواسطة رئيسيها بالمجلس الأعلى للأمن، طبقا للفصل 54 من الدستور، والذي يعتبر هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات، حيث نجد ضمن تشكيلة هذا المجلس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وهو نفسه الرئيس الأول لمحكمة النقضن، بل إن صفته هاته هي التي خولته صفة الرئيس المنتدب، ثم نجد ضمنيا عضوية رئيس النيابة العامة وهو نفسه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، لأن دستور 2011 صدر قبل إحداث مؤسسة رئاسة النيابة العامة، والتي أحيلت بسببها عدد من اختصاصات وزير العدل على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ومن بينها إعداد السياسة الجنائية.

ولا يجب أن ننسى الدور الذي سيلعبه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة في التعاون البناء والفاعل مع المرصد الوطني للإجرام والذي سيعرف النور قريبا، وذلك لوحدة المهام والاهتمام بين المؤسستين في مكافحة الظاهرة الإجرامية والبحث عن مسبباتها وتضييق الخناق على مرتكبيها.

محكمة النقض كشريكة في تسيير الشأن العام

بالرجوع للفصل 113 من الدستور نجد المجلس الأعلى للسلطة القضائية يساهم في تسيير الشأن العام من خلال إعداد تقارير وتوصيات تلقائيا أو بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان تتعلق بوضعية القضاء ومنظومة العدالة لتكون كأرضية للاشتغال على هذه الأمور الوطنية، وقد نتساءل عن موقع محكمة النقض هنا، فالجواب أن ثلاثة أعضاء دائمين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يشغلون أعلى المناصب بمحكمة النقض، وهم الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها ورئيس الغرفة المدنية أو الغرفة الأولى. كما تعمل بمثابة هيئة للتشاور تابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية،كما نص على ذلك الفصل 13 من الدستور، يرجع إليها لإعطاء رأيها في صياغة مشاريع النصوص القانونية، كما تتوفر على قسم خاص بالنشر والتأليف لتنمية الإبداع العلمي والقانوني للقضاة تطبيقا للفصل 26 من الدستور، من خلال جمع مؤلفاتهم، وقراراتهم ونشرها عبر المجلات والنشرات والدوريات وكذا المواقع الإلكترونية،

مقترحات عملية للزيادة في تجويد دور محكمة النقض

من خلال العمل بمحكمة النقض لأكثر من عشر سنوات، وقفت على عدد من الأمور التي أرى من وجهة نظري المتواضعة أنه أضحى لزاما إدخال بعض الإصلاحات عليها أو إعادة النظر في طريقة التعامل معها، لما سيشكله ذلك من توفير الجهود وتصريف الأشغال والوصول إلى النجاعة القضائية المطلوبة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي :

- إقرار حق التصدي لمحكمة النقض للبث والتصدي للقضايا المرفوعة أمامها، خصوصا للمرة الثانية؛

_ رفع سقف القيمة المالية للقضايا غير القابلة للطعن لمبلغ مائة ألف درهم ؛

_ رفع الرسوم القضائية أمام محكمة النقض مع تفعيل مبدئ تعويض المتضرر من الطعن التعسفي؛

_ جواز تنبيه الأطراف لإصلاح الإخلالات الشكلية أمام محكمة النقض؛

_ تفعيل منشور رئيس الحكومة الخاص بالتدخل بين الإدارات للحد من النزاعات القضائية القائمة بينهم. يعهد فيه للوكيل القضائي للمملكة للقيام بمهمة التوفيق بين الإدارات في النزاعات القائمة فيما بينهم مع رفع الأمر لرئيس الحكومة حالة استمرار الخلاف للتحكيم في الأمر. وإن كنت أقترح أن القضاء في مثل هذه الدعاوى، عليه أن يقضي بعدم قبول الدعوى لكون الإدارة لم تفعل المسطرة الإدارية؛

- لابد من اجتماع الأقسام ذات الاختصاص الواحد في الملفات التي تعرض على غرفتين أو أكثر، لأن كل قسم هو غرفة قائمة بذاتها ودليلنا الأحكام الصادرة عنها التي تعنون بالغرفة لا بالقسم، فلابد من أن تجتمع الأقسام ذات الاختصاص الواحد في قضية ما توحيدا للاجتهاد وتعميما للنقاش، إذ لا يفيد قسم الأحوال الشخصية مثلا في التداول مع قسم جنائي في قضية جنائية، لأن الغلبة تبقى للقسم المتخصص، والذي ينجح في إقرار توجهه كاجتهاد قضائي يقتضى به؛

- توجيه دورية لجميع الوكلاء العامين للملك بعدم البث في الشكايات الموجهة ضد النقباء وإرسال كل الوثائق والمحاضر لهذه النيابة العامة للاختصاص تطبيقا للمادة 72 من قانون مهنة المحاماة، حتى يتسنى لهذه الأخيرة اتخاذ الوجهة القانونية الصحيحة بشأنها؛

- توجيه دورية لجميع النيابات العامة للإفادة بمآل الشكايات المحالة عليها بمقتضى تعليمات، وذلك لحفظ الملفات التي تبقى مفتوحة بهذه النيابة العامة لعدم معرفة مآلها النهائي؛

- توجيه كتاب لكل النيابات العامة من أجل ترشيد الطعون والإسراع بإحالة الملفات التي تم الطعن فيها بالنقض على هذه المحكمة، وذلك لما للأولى من سلطة المراقبة على كتابات الضبط في التسريع بإحالة الملفات بعد تحريرها؛

- مطالبة جميع مسؤولي النيابة العامة الإفادة بتقارير تتضمن أنواع الجرائم الأكثر اقترافا بدائرة نفوذهم، مع ذكر الأسباب الكامنة وراء ذلك، لتكون هذه التقارير بمثابة أرضية للسياسة الجنائية ولمكافحة الإجرام بنوعيه، خصوصا أن الاحصائيات لا تتطرق لمسببات الجرائم؛

- تكليف المحامين العامين كل حسب نوع القضايا التي يحضر جلساتها، إعطاء تصور حول نوع الطعون وأسبابها والاختلاف الموجود بين تعليل محاكم الموضوع وتعليل محكمة النقض؛

- توجيه نسخ من القرارات القاضية بإلغاء بعض إجراءات النيابة العامة، إلى جميع النيابات للاقتضاء بها والعمل على عدم اتخاذها مجددا في إطار توحيد الاجتهاد القضائي؛

- اقتراح بعض القضاة والمحامين العامين لإلقاء محاضرات بالمعهد العالي للقضاء ومعهد الشرطة والمعهد العالي للصحافة والمدرسة الوطنية لتكوين الأطر، للتعريف بالكفاءات وباختصاص النيابة العامة بوجه عام حتى تكون إشعاعا قانونيا وقبلة للمعرفة القضائية؛

- التماس المحامين العامين بإصلاح الإخلالات الشكلية في المذكرات،مادامت النيابة العامة هي الساهرة على تطبيق القانون، وتحقيق العدالة هو أسمى صور تطبيق القانون، فقد لا تكون للطاعن يد في هذا الإخلال الذي سيضيع حقوقه؛

- وجوب توفر الديوان على بطاقات وكتيبات تعرف بالمغرب - سياحة –مآثرا- عمرانا - اقتصادا – صناعة – وبمؤسساته الدستورية- وكذا بعض القوانين كالتنظيم القضائي والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وتجربة رئاسة النيابة العامة، لتقديمها للزوار والمدعوين في إطار التعاون القضائي الدولي؛

- خلال زيارات الوفود لهذه المحكمة، يقترح قيام أحد المحامين العامين بعرض موجز حول موضوع الزيارة، يتضمن الجانب القانوني ووجهة نظر النيابة العامة، مع إعطاء تعريف لعملها واختصاصاتها معزز بشريط فيديو أو صور أو كتيبات؛

ــــ تسجيل نفس الشكاية بأكثر من رقم، ما يرفع من عدد المسجل خلال السنة، ولكن يؤثر سلبا على إحصاء المنجز، إذ لا يحتسب القرار المتخذ إلا مرة واحدة بالنسبة للشكاية الأصلية دون باقي نظيراتها الواردة من جهات أخرى؛

ــ توقف كتابة الضبط عن إحالة الملفات على الغرف ابتداء من شهر أكتوبر، استعدادا لإحصائيات السنة القضائية، يؤثر سلبا على بداية السنة الجديدة لكثرة الإحالات وتراكم أعداد من الملفات، ما يجعل جهود التصفية تدور في حلقة مفرغة؛

ــ في إطار رقابة محكمة النقض على الخبراء الوطنيين، لوحظ أن بعض الخبراء يستعملون شعارات المملكة في رأسية تقاريرهم المرفوعة للقضاء، مثل : المملكة المغربية ـ وزارة العدل ــ محكمة الاستئناف ـ تقرير المحكمة، ما يخلق لبسا لدى المتقاضين، وكأن هذا الخبير تابع أو يشتغل بهذه المؤسسات؛

ــ عقد لقاءات مع رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب والنقباء،لتدارس الإخلالات المرتكبة من طرف بعض المحامين، للعمل مستقبلا على تفاديها خدمة للعدالة ولمصالح المتقاضين

23 vues0 commentaire

Posts récents

Voir tout

مقترح مشروع النظام الأساسي للنيابة العامة

​ الفصل الأول : يتألف السلك القضائي للمملكة من قضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة بكل من محكمة النقض والمحاكم الاستئنافية والابتدائية والماليةوالعسكرية, ويشمل أيضا القضاة الممارسين بوزارةالعدل والقضاة

قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية

قراءة في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية لا تحملوا النصوص القانونية أكثر مما تتحمل ولا تطنبوا في الألفاظ والمعاني، فتفتحوا الباب للتأويل والمساءلة. وأنا أتصفح مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المنش

bottom of page