top of page
Rechercher

مداخلات حول حتمية استقلال النيابة العامة

elmisbahiabdelali

مداخلة الاستاذ عبد العالي المصباحي جوابا عن المقال المنشور بجريدة أخبار اليوم في عددها 1214 بتاريخ 2/11/2013 تحت عنوان

في ظل منظومة سياسية واجتماعية مازالت تتعاطى مع القضاء باعتباره أداة للانتقام بقلم الباحث خالد الشرقاوي السموني استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل : الهدية المسمومة

كنا سنغض الطرف كعادتنا، في الإجابة عن مقالات منعزلة لا تعبر إلا عن رأي كاتبها، إيمانا منا بحرية التعبير، وحفاظا منا على هيبة القضاء و وقاره، والتزامه الحياد في عدم الدخول في سجالات كلامية، لا تفيد القارئ والمهتم في شيء. لكن المثير للاستغراب وطرح التساؤل، أن يصدر هذا المقال عن شخص يعرف بنفسه أسفل الصفحة، أنه باحث في القانون الدستوري وحقوق الإنسان، منتسبا بذلك إلى جهابذة القانون الدستوري، الذين حضوا بالتشريف الملكي لإعداد مضامين الدستور الجديد، الذي ارتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة بذاتها، بحذف وزير العدل من تشكيلة مجلسه الأعلى، وجعل أعضاء النيابة العامة تابعين لسلطة، اقتضت المصلحة العامة ورأي كل مكونات المجتمع – عبر الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة -، أن تؤول إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، تكريسا لأقدم المبادئ التي درسناها في القانون الدستوري، ألا وهي مبدأ فصل السلط.

وتصحيحا منا لبعض الأخطاء الشائعة، والتي يستغلها البعض شماعة لتعليق أسمال أفكاره، وطلق عنان لسانه لاتهامات مجانية وغير مسؤولة، وكلام مجرم ومعاقب عليه بمقتضى القانون، فإن وزير العدل لم يكن يوما رئيسا للنيابة العامة، بل الممارسة والصلاحيات التي بين يديه المتعلقة بالمسار المهني للقضاة، ورئاسته للمجلس الأعلى للقضاء نيابة عن جلالة الملك، شكلت له سلطة فعلية وواقعية على القضاة، بما فيهم قضاة النيابة العامة، لأن المادتين 38 و51 من قانون المسطرة الجنائية، جعلتا منه الساهر على تنفيذ السياسة الجنائية والمحرك للدعوى العمومية عن طريق التعليمات الكتابية فقط، وليس الآمر بالحفظ أو القائم بباقي مهام النيابة العامة، كما أن المادة 56 من النظام الأساسي لرجال القضاء، جاءت في باب نقل القضاة وانتدابهم، ولا علاقة لها بالإجراءات القضائية، وعلى العكس من ذلك فإن مقتضيات الفصل 16 من التنظيم القضائي المعمول به منذ الاستقلال، جعل من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيسا فعليا للنيابة العامة، وذلك بإعطائه السلطة على أعضائها، والحق في توجيه تعليمات مباشرة وملاحظات إلى الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك، ورغم هذه المقتضيات فإن الوكلاء العامين للملك الذين تعاقبوا على هذا المنصب بمحكمة النقض، لم يسبق لأحد منهم أن سجل في حقه أي تعسف أو سوء استعمال لهذه المقتضيات، وإذا رجعنا بالتاريخ قليلا، ومن باب التذكير بالشيء، وتحديدا لما جاء في المقال من ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإنه لم يسبق لأي وزير عدل بالمغرب، خاصة في الآونة الأخيرة أن طرحت عليه أسئلة بالبرلمان في هذا الصدد، كل ما هناك أسئلة من قبيل تحسين الوضعية المادية للقضاة والموظفين، ومآل الأحكام في مواجهة أشخاص الحق العام.

فمن العيب إذن أن نعود بأسس ديمقراطية ومفاهيم حقوقية متطورة –كانت نتاج عمل مجتمع بأكمله، ومباركة ملكية وتشجيع دولي- إلى نقطة الصفر، لنكرس من جديد، قضاء يرزح بين رقابة السلطة التنفيذية، ورئيس للنيابة العامة لا يمت لجسم القضاء بصلة، لنلوك كلاما يفتقد شرعية المرجع ويخدم فكرة تبخيس العمل القضائي، والحد من سلطته، حتى لا يقوم بدوره الطلائعي، في التأسيس لدولة القانون وترسيخ الأمن القضائي. فالحراك القانوني الذي يعرفه المغرب اليوم، والطفرة النوعية في المجال الحقوقي التي أصبح يتميز بها عن نظرائه، هي التي أعطته هذا التوجه الصائب في تشييد صرح السلط المنفصلة في اختصاصاتها، والمتشاركة في أهدافها الخادمة للمصلحة العامة، بل وحتى أنظمة الدول المستدل بها في مجال النيابة العامة، فهي تختلف في تاريخها ومرجعيتها وثوابتها عن نظام هذا البلد، إذ لا مقارنة مع وجود الفارق، فالقضاء والحمد لله يستمد مشروعيته من أمير المؤمنين، لأن القضاء من مهام الإمارة، فهو في ممارسة هذه الوظيفة بتفويض مشروع من أمير المؤمنين، فإنه يستمد الشرعية في البت في القضايا من المجتمع، والنيابة العامة هي ممثلة المجتمع والمدافعة عن حقوقه، والضامنة لمبدأ تخلي المجتمع عن الدفاع عن حقه، مقابل ضمان الحق في الحياة والحرية والأمن، وذلك في إطار العقد الاجتماعي الذي سبق أن وقعت عليه كل الشعوب للعيش في مجتمع حضاري تسوده الدمقراطية.

ذ/ عبد العالي المصباحي

مداخلة الأستاذ عبد العالي المصباحي ردا عن مقال الأستاذ عبد الكبير طبيح المنشور بجريدة الصباح ابتداء من عددها 4411 بتاريخ 22 يونيو 2014 تحث عنوان : تعديل المسطرة الجنائية تراجع عن الحريات

ألفنا من الأستاذ عبد الكبير طبيح إعطاء وجهة نظره في عدد من الأمور والنوازل, سواء أكانت قانونية سياسية أو اجتماعية, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على درايته الواسعة وتجربته المقتدرة وإلمامه العميق بموضوع المداخلة, وهكذا فقد أطل علينا مؤخرا بتعليق حول تعديل قانون المسطرة الجنائية, تحث عنوان "تعديل المسطرة الجنائية تراجع عن الحريات".

ولكن ما يخالجني ويدفعني لطرح السؤال تلو الآخر, هل يستطيع أستاذنا الكبير التجرد من قبعته السياسية وهو يناقش موضوعا قانونيا, وهل يستطيع التجرد من انتمائه كرجل دفاع وهو يحلل الشأن القضائي, وهل يناقش مائدة العمل الجمعوي دون بهارات حزبية، وهل يصمد على رأيه واقتناعه الصميم بمبدئ معين وهو ينتقل في مداخلاته بين هذا وذاك. أمور من الصعب أن نجمع بينها، خصوصا إذا كان لنا منفذ من الحرج ودرع واق من اللوم، يجعل لكل مقام مقال، ولكل حال فكرة في البال، وحسب الموقف أستمر أو أقف، وما قلت بالأمس أمسحه اليوم بالهمس.

فبالرجوع إلى موضوعكم المنشور بموقع إلكتروني بتاريخ 15/3/2012 تحث عنوان ماهي السلطة التي تتبع لها النيابة العامة ؟, اعتبرتم أن أدوار النيابة العامة ليست محصورة فقط في متابعة وضبط الجريمة, بل إنها بالأساس، أداة تستعمل لأدوار أخرى مجتمعية سياسية واقتصادية مؤثرة وفاعلة، وهذا منطق العقل لأنها تمثل الحق العام والمصلحة العامة, وتوازي في إطار ملاءمة بين إيجابيات الصالح العام وسلبيات المتابعة. وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال من نيابة عامة تابعة للون أو توجه سياسي, يخدم أجندة محددة في زمانها ومكانها, ولن يتأتى هذا كذلك من مؤسسة دستورية تعمل بعيدة عن المساواة أمام القانون والعدالة الاجتماعية, إذ قد تخدم مصالح اللون الذي ينتمي إليه رئيسها حسب مفهومكم.

فكم من شخص يفضل تبعية النيابة العامة لوزير العدل، حتى يكون هذا الأخير ملجأ لمظلمته من قرارات ممثليها- ولو كانت قانونية- إلا أنها لا تخدم مصالحه الضيقة، فيؤثر سلبا على استقلال القضاء، بفتح باب الشكاوى والاستفسارات والتفتيش والتتبع غير المجدي، وهذا ما حدا بهذه المؤسسة أن أصبح ينظر إليها في الماضي القريب على أنها مقر لتأديب القضاة، وجهة قضائية لا تبادر إلا بعد الإشعار بالوقائع وانتظار توجهات الوزارة لاعتمادها في التحريك والمتابعة، فنسب إليها النقص ووصمت بالتابعة غير المستقلة.

وأنتم من قلتم كذلك نقلا عن الجريدة الإلكترونية الرأي المغربية ليوم الأحد, 16 يونيو 2013, أثناء حديثكم عن استقلال النيابة العامة في ضوء الدستور الجديد، أنه "لا استقلالية" للنيابة العامة في ضوء دستور 2011، لأنه استنادا إلى النص الدستوري فإنه يجب على النيابة العامة أن تتابع القانون الجنائي المغربي، وفي هذا إشارة قوية منكم على أن وزير العدل هو من يتحكم في دواليب هذه المؤسسة, وفي تحريك المتابعات, وأن النيابة العامة لا حول ولا قوة لها في المبادرة الشخصية والتلقائية في تطبيق القانون على المخالفين له.

ولما جاء هذا المشروع المرتكز في أسسه على الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة, بمفهوم جديد لاستقلال السلطة القضائية وقطع دابر التبعية للسلطة التنفيذية, جاعلا أحد القضاة على رأسها في إطار تسلسل إداري وتبعية وظيفية, مع استقلال في الممارسة, قوامها المادة 110 من الدستور التي تلزم قضاة النيابة العامة بتطبيق القانون أولا, ثم الالتزام بالتعليمات مادامت مكتوبة وقانونية. اعتبرتم هذا الإنجاز التاريخي للاستقلال الفعلي للقضاء, تراجعا عن الحريات.

فأي لون في كلامكم يمكن اعتماده؟, هل ضرورة استقلال النيابة العامة عن كل جهة وجعل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض –وهو قاض مستقل- على رأسها؟, أم أن ترأّسه هذا فيه تراجع عن الحريات؟, وأين يكمن هذا التراجع والدستور الحالي ربط المسؤولية بالمحاسبة, وروح المسؤولية والمواطنة تتلازم فيهما ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات. والحقوق الكونية للإنسان تم النص عليها دستوريا, من حق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية والتجول والاتصال والحق في المعلومة -التي تعمل النيابة العامة بتطبيقها للقانون على حمايتها- ومنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء.

أليس في حديثكم هذا رجوعا إلى الوراء, وانتكاسا لإرادة وطنية سعت بكل مكوناتها في إطار هيئة حوار توافقية إلى تكريس إصلاح شامل لمنظومة العدالة, وكنتم ضمن المشاركين في عدد من ندواتها, وأدليتم بدلوكم إبانها. أليس في رأيكم هذا ضربا لمبدإ التناوب الذي لطالما ناديتم به وناضلتم من أجله, فلنجرب إذن هذا التناوب الذي ثبتت ديمقراطيته في هذه المؤسسة الدستورية, ونعطي رئاستها لأصحاب الاختصاص, أصحاب الحياد والتجرد, أصحاب تطبيق القانون لتحقيق العدالة, ولماذا هذه النظرة التشاؤمية ونحن مقبلون بكل عزم واقتناع على هذه التجربة التي انبثقت عن رغبة أكيدة في التغيير إلى الأفضل, وإرادة جلمودية لطي تجربة الماضي بما نسب إليها من نواقص, إذ ما فتئ الحقوقيون وعلى رأسهم رجالات هيئة الدفاع الأجلاء, الذين نادوا ورفعوا أصواتهم في ردهات المحاكم بعدم تدخل السلطة التنفيذية في الشأن القضائي, ورفع يد وزارة العدل عن عمل النيابة العامة, فكسروا طبول الآذان الصماء, وفتحوا الأعين الوسنانة, وأحيوا الضمائر, لتعقد الهمم وتشحذ العزائم للمطالبة بإصلاح شامل وكامل لمنظومة العدالة بكل مكوناتها, وعلى رأسها الاستقلال الفعلي والفاعل للنيابة العامة بصفتها جزء من السلطة القضائية.

وإن كنت لا أشاطر رأي بعض الحقوقيين الذين يعتبرون في وزير العدل الرئيس الأعلى للنيابة العامة سابقا, لأنه لا وجود لأي نص قانوني يعطيه هذه الصفة, اللهم المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية, التي تعطيه الحق في الإشراف على تنفيذ السياسة الجنائية بعد تبليغها للوكلاء العامين للملك, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه يبلغ ما توافق عليه المجلس الحكومي من توجهات في السياسة الجنائية, ثم يسهر على تنفيذ هذا الأمر من خلال مناشير ودوريات وأنشطة وندوات تروم تنزيل هذه السياسة الجنائية على ارض الواقع, كما يحق له أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك ما يصل إلى علمه من مخالفات للقانون الجنائي, وهذا من واجب كل مواطن حسب المادة 43 من ق م ج, وله كذلك أن يأمر كتابة بمتابعة مرتكبيها, وهذا ليس حقا في التقاضي حكرا عليه, إذ كم من إدارة عمومية لها حق احتكار تحريك الدعوى العمومية, وكم من شخص ذاتي أو معنوي له الحق في تحريك متابعة دون المرور عبر النيابة العامة. ولقد أحسن المشرع صنعا حينما ألزمه بأن يكون أمره كتابيا, وذلك لتحديد المسؤوليات ووضع الحد الفاصل بين الأمر المشروع والآخر المشمول بالشطط, طبقا للفصل 225 من ق ج والمادة 110 من الدستور.

وذكرتم في معرض حديثكم أن من بين التراجعات ما أتت به المادة 51 من إعطاء الحق في مراجعة الأحكام للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وهذا ليس بالشيء الجديد، بل هو تكريس للسابق، وبه من الضمانات ما لم تنص عليه المادة الحالية, من لجنة خاصة بالمراجعة مكونة من مستشارين مع إمكانية تعيين مقرر, وإيقاف تنفيذ العقوبة بمجرد تقديم الطلب علما أن الوكيل العام للملك يبقى من اختصاصاته الأساسية السهر على التطبيق السليم للقانون, فسيكون أحرس من غيره على هذا الأمر, بما فيه المصلحة العامة التي تشمل مصلحة الأطراف بالتبعية. أما كونه عضو بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية, فهذا يدخل في باب الإشراف على مسار القضاة, وليس مسار القضاء.

وقلتم كذلك أن - المشروع أسند السهر على تطبيق القانون الجنائي بمجموع المملكة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض, وأن هذه المهمة لا تسند إلا لممثلي رؤساء الدول -, فإذا رجعنا إلى دستور المملكة بصفته أسمى قانون للبلاد, نجده قد أقر عددا من الحقوق, وجعل القانون هو الضامن لها, وهذا القانون لابد له من مؤسسة دستورية لتقوم بتفعيله وتنزيله على أرض الواقع, وهي النيابة العامة التي تمثل الحق العام, نيابة عن جميع المواطنين في إطار تفويض ناتج عن عقد اجتماعي, ولابد لهذه المؤسسة من رئيس إسوة بباقي المؤسسات والتنظيمات الإدارية بمختلف الديمقراطيات, إذن أين هو وجه التساؤل؟ وأين هو وجه المخالفة للقانون؟, بل على العكس فهذا هو عين العقل وهذا ما يجب أن يكون عليه الأمر, بل الأكثر من هذا فإن من حق رئيس النيابة العامة السهر على تطبيق القوانين والعمل على متابعة كل مخالف لها. إذ إشرافه هذا لا ينزع الصلاحيات لباقي الوكلاء العامين, بل كل يعمل طبقا للاختصاصات والصلاحيات المسندة إليه طبقا للقانون.

مداخلة ذ/ عبد العالي المصباحي ردا عن المقال المنشور بجريدة الصباح في عددها 4312 بتاريخ 26/2/2014 تحث عنوان: (احذروا دولة اللا قضاة) لكاتبه : السيد نبيل محمد بوحميدي

الحمد لله الذي ميزنا بالعقل, ووهبنا نعمة النطق لنتواصل, وخلقنا أحرارا لنفعل ونقول ما نشاء.

لكن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ *إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ*}ق:16،18, ويقول رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يصمت),

كان أول ما استرعى انتباهي يا أخي، هو صفتكم في أسفل الصفحة، بأنكم باحث جامعي في سلك الدكتوراه الوطنية, إذ بدا النشوز جليا بين المقال والصفة. فمن مواصفات الباحث الجامعي؛ تحليل الموضوع في قالب أكاديمي، مع إظهار أوجه الاختلاف والتلاقي، وتبيان اللبس، وطرح الإشكالات, واقتراح الحلول في تواضع الطالب, الذي لازال ينهل من منبع العلوم. ولكنكم سارعتم الزمن بإصدار الحكم عن الآخر, وأنتم بالكاد قد لامستم هوامش الموضوع، أو لم تفعلوا حتى، ولم تفهموا البتة، بل تراكمت عليكم أفكار شتى، هي أكبر من أن تفهم. لأن هذه السلطة تكالبت عليها الظروف، وكثرت عنها الحروف، فسكت في شموخه الأسد، ونطق ما دونه من هو غير معروف. وعلى حد قول أنتوني روبنز : (لكي تتخاطب مع الآخرين بطريقة فعالة, يجب عليك أن تدرك أننا جميعا مختلفون في الطريقة التي نفهم بها العالم, ونستخدم هذا الفهم كدليل يرشدنا إلى الاتصال بالآخرين ).

جاء مقالكم المنقول عن مصدر آخر مع تعديل بالنفي، تحث عنوان : احذروا دولة اللا قضاة، فلن يتحقق هذا الوهم المنسوج من الوهن, إلا في خيال ضيق وتفكير رقيّق, لأن القضاة يمارسون مهامهم بأمر من أمير المؤمنين, الذي فوض من مهام الإمارة, وظيفة القضاء لأبناء شعبه, فو الله لن يخذلوه, ولن يحيدوا عن أوامره قيد أنملة, لأنهم أبناء المقاومين وأعضاء جيش التحرير, أبناء الفقراء المتعففين, وأبناء الجنود المصطفين, ضمائرهم حية, وإيمانهم بربهم عقيدة أبدية, وحرصهم على هذا البلد قضية وطنية. فهذه الدولة ستظل بقضاتها ما داموا يحكمون بأمر أميرها وقاضيها الأول. فأنتم بقولكم احذروا دولة اللا قضاة, تقولون احذروا دولة اللا قانون, ودولة اللا قانون, هي دولة غير شرعية أمام المنتظم الدولي, فأحيلكم إذن على القوانين الجنائية, لتعلموا خطورة ما خططتم بيدكم. ووصفتهم بالجسم المنخور بالفساد والرشوة واللاعدالة, فأدعوكم لحضور جلسات المحاكم, التي ترفع فيها يوميا زغاريد الأمهات, وتكبير الآباء, والدعاء بالنصر لجلالته, تعبيرا من الجميع عن أحكام, هي عنوان للعدل, ورمز للحق في أبهى تجلياته, إذ لم تكونوا أنتم من تأمّلتم وتداولتم, لتدمغوا بالحق الباطل فيزهقه, إنما كان أولئك الذين وصفتموهم بالفاسدين والمرتشين, ولم تكونوا معهم لتذكروهم, إنما كان خوفهم من ربهم, وبيعتهم لملكهم التي تتجدد عند افتتاح كل جلسة أو تصدير حكم, وضمائرهم الحية, هي من كانت رقيبة عليهم. ولله الحمد فالقضاء في صورته المعاصرة هذه, له أكثر من ستين سنة, لم نسمع خلالها قط عن إنكار العدالة, أو تخلي القضاة عن القيام بمهامهم, أو تواطؤهم على ترك وظائفهم, وهذه شيم الإخلاص والوطنية, والتفاني في هذا التكليف بكل مسؤولية, وحقا كما قيل : (كثرة حسادك شهادة لك على نجاحك), أضف أن القاضي إن عدل فنصف الناس أعداؤه.

وأدعوكم لمواكبة القضاة في عملهم اليومي, لتستشعروا عظم المسؤولية، وضبابية المشهد، وصعوبة الفصل بين الخلطاء، فهو صراط مظلم يجتازه القاضي يوميا، ما بين قوانين متجاوزة أضحت لا تواكب تطور الإجرام، ومحاضر لا تكاد تفي بنقل الواقعة لقلة الإمكانيات المادية والبشرية، وشهود بين تأكيد في محاباة أو نفي لتخوف, وسارق ينكر فعلته ويده لا زالت بجيب المجني عليه, وسماسرة ونصابون يتربصون بمحيط المحكمة, بعدما خبروا اجتهاد المحاكم وتوجهاتها في القضايا المماثلة, لاقتناص التائهين وسلب أموال المخدوعين, وضحايا يتراجعون عن شكواهم, لصلح أو تراض, فيقاطعون المحاكم بدون رجوع, وملفات تراكمت على المنضدة فغطت هامة القاضي, فاشرأب عنقه لإثبات حضوره, وخبرات متناقضة, تعطي إحداها الحق لطرف, وتأتي الأخرى لتنزعه منه, في جلسة يتقاذف فيها الخصوم المسؤولية, وينفي كل واحد ما قد يجره للمحاسبة. تلك إذن كانت صورة مصغرة لمعاناة القضاء, في صمت أخرص وواقع أبرص.

لقد انطوت الحيلة على الكثيرين, حينما دفعوا بكلام ملحن وتصريح مشحن, لاتهام السلطة القضائية التي تصارع من أجل الاستقلال , إذ في استقلالها حريتكم, وفي سموها كرامتكم, وفي حيادها ضمانتكم, فإن كنتم لا تستطيعون قول الحقيقة, فلا تحرموا الآخرين فرصة سماعها, وعلى حد قول ونستون تشرشل حينما سألوه؛ فبادر مجيبا هل القضاء ببلدنا بخير؟ فأجابوه نعم بخير, فقال لهم إذن لا تقلقوا على بريطانيا فهي بخير, فجوابي إليكم سيكون معكوسا, لأن العكس بالعكس قضاء العالم لكل عبد صالح أو ظالم, وأقول لكم ما دام المغرب والحمد لله بخير فقضاؤه بخير. وليكن في علمكم أن بلدنا المغرب, هو البلد الوحيد في إفريقيا, الذي يعير قضاته للعمل بدول الخليج وإفريقيا, نزولا عند الطلبات الملحة للدول الشقيقة والصديقة, والتي تشهد لقضاته بالاقتدار والحنكة والإتقان, والتجربة العالية والمراس المميز, فمن سمح لك للحكم بين مواطنيه, فقد شهد لك بالنزاهة والحياد والاستقامة, فإذا عجزتم عن قول الحق, فلا تقولوا الباطل, وأبدأوا بنقد أنفسكم ولا تماطلوا, واعلموا أنه إذا أردتم أن تكتبوا, فلا بد أن تؤمنوا بأن كتاباتكم تستحق القراءة, فالحلزون يخط وراءه خطوطا, لم يتوقف أحد يوما لقراءتها, لأنها مجرد لعاب يساعده بالكاد على التزحزح من مكانه. تلك إذن كانت إجابة مختصرة, عن كتاباتكم المشفرة, لأن خير الكلام ما قل ودل, ولأن من يتكلم كثيرا ، إما أنه يعرف كثيرا وإما أنه يكذب كثيرا ............

مداخلة ذ/ عبد العالي المصباحي باسم رابطة قضاة المغرب ردا عن المقال الصادر بجريدة أخبار اليوم عدد 1569 بتاريخ الجمعة 17 ربيع الأول 1436 م 9/1/20015 تحث عنوان : برلمانيون يخشون أن تضع استقلالية النيابة العامة "الملكية وجها لوجه مع الشارع"

تناقش حاليا أمام البرلمان القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، بعدما خلص الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة على أن الإصلاح الشامل للعدالة بكل مكوناتها, لا يمكن أن يتم إلا بتنزيل هذه القوانين وصياغتها في شكل يخدم الاستقلال التام للسلطة القضائية عن أية جهة, ونأيها عن المزايدات السياسية والتوجهات الحزبية, وتحررها من كل وصاية أو رقابة تخلق إحساسا لدى القضاء بقصر يده في تحقيق العدالة, أو تشعر المتقاضي بضياع حقه بمجرد مثوله أمام قاض تقيده تعليمات إدارية أو تحرجه مواقف تكنوقراطية أو بين يديه قانونا متجاوزا أضحى لا يخدم العدالة الاجتماعية في شيء.

ورغم أن هذا الميثاق كان بمثابة عصارة فكرية لكل الأطياف, وإرادة حثيثة للنسيج المجتمعي ونتيجة حتمية للتجربة القضائية الضاربة في عمق التاريخ المغربي, إلا أن بعض الفاعلين الآن حنّوا لماض لازلنا نتجرع مرارة ضريعه الذي أطعمناه مجبرين, وقد سمعنا مؤخرا ازدواجية في الخطاب والتأسف وعظ الأنامل من الغيض عن مطالب حقوقية قدمت سابقا فتحققت, لكن إرادة بعضهم انتكست الآن وحنّت لديمقراطية نرجسية, أنا أتحكّم إذا أنا موجود, ولا استقلال للقضاء ما دمت على قيد الوجود, فاختبأوا وراء تبريرات واهية, يفهم قصدها البسيط في بساطته, ويتأسف على بخسها العاقل بعقله, حينما قالوا أن "استقلال النيابة العامة سيضع الملكية وجها لوجه مع الشارع", اسمحوا لي أن أقول لكم ما يخالجني وما يخاذلكم :

- لو كانت الملكية ستوضع وجها لوجه مع الشارع لوضعت منذ ستين سنة سابقة, وذلك كلما صدر حكم باسم جلالة الملك ولم يرق الشارع، لأن الأحكام هي التي تصدر باسم الملك وليست متابعات النيابة العامة، التي تبقى مجرد مطالبة من الحق العام -الذي هو الشارع نفسه- لتطبيق القانون في حق كل خارج عن مقتضياته, أضف أن القضاء هو مهمة من مهام الإمارة, والقضاة يمارسون هذه الوظيفة بتوكيل من أمير المؤمنين, والنيابة العامة هي شطر من القضاء؛

- إن جلالة الملك هو الذي نزل تواضعا عند شعبه إلى الشارع واختار ملاقاتهم في كل مكان عمومي ومصافحتهم وتفقد أحوالهم, جاعلا بذلك عرشه على سيارته سيرا على نهج أجداده المنعمين, فما زاد هذا القرار الحكيم لجلالته إلا حبا من شعبه وتشبتا بأهداب عرشه وبيعة أبدية متجددة؛

- إن بقاء النيابة العامة تحث ظل وزير العدل فيه إفراغ للدستور من مضامينه, التي اعتبرت أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية, م 107 ,بل على العكس من هذا فإن بقاء النيابة العامة تابعة للسلطة التنفيذية, يجعل القضاة يلتجؤون لجلالة الملك بصفته الضامن استقلال القضاء؛

- إن المزايدة بإقحام المؤسسة الملكية في الدفاع عن مصالح ضيقة شخصية كانت أو حزبية, لا يمكن اعتباره بحال دفاعا عن مصلحة الأمة التي وضعت ثقتها في ممثليها, في إطار حكم بالمغرب نظامه الملكية الدستورية الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية, أي أن كل هذه المكونات مترابطة مع بعضها البعض, ولا نتصور إحداها دون الأخرى كسلسلة دائرية حلقاتها مترابطة؛

- إن ما يروّج له الآن من تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية, سيجعل النيابة العامة تلبس كل أربع سنوات لونا حزبيا وتضع على رأسها شعارا سياسويا, فمرة مصباحا وأخرى وردة ثم سنبلة, وهكذا دواليك حتى تصبح كسلة مهملات أو علبة عجائب سحرية, يمكن أن تجد بها كل ضروب الأذواق و النكهات, ولكن لن تجد بها أدوات المساواة والتجرد والحياد؛

- إن القول بأن "السياسة الجنائية من عمل الحكومة, فلابد من بقاء النيابة العامة تابعة لها", قول مردود لأنه ما كانت العدالة يوما مرتبطة بالسياسة ولا تابعة لممارساتها, بل العدالة مرجعها التطبيق السليم للنصوص القانونية لا التوجهات الحكومية, أضف أن السياسة الجنائية هي استراتيجية وقائية ترصد مسبقا لمكافحة الإجرام قبل وقوعه, أما بعد وقوع الجريمة فالكلمة الفصل للقضاء لا للسياسة الجنائية,

- إن الميثاق الوطني الذي خلص إلى فصل النيابة عن وزير العدل, كان ثمرة لإرادة شعب بكل مكوناته, بما فيها الأحزاب السياسية التي نادت باستقلال النيابة العامة عن وزير العدل, وقدمت مذكرات لأعضاء المنظومة في هذا الباب, أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مداخلة السيد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي, في ندوة وطنية نظمها قطاع المحامين الاتحاديين حول "استقلال السلطة القضائية دعامة لإصلاح منظومة العدالة" ، بالمقر المركزي للحزب بالرباط، قال فيها : بالرغم من المبادئ الدستورية الضامنة لاستقلال السلطة القضائية، فإن الممارسة والتطبيق يشهدان على تدخل صارخ في الأعمال ذات الصبغة القضائية، تمارسه وزارة العدل والحريات،  المتمسكة برئاسة النيابة العامة هذا التمسك القائم بالواقع وليس القانون.  

- أخيرا وليس آخرا إن النيابة العامة ليست تابعة لوزير العدل بمقتضى القانون, بل له طبقا للمادة 51 من قانون المسطرة الجنائية, أن يبلغ للوكلاء العامين للملك مضامين السياسة الجنائية ومخالفات القانون الجنائي التي تصل لعلمه, وإذا أراد أن يصدر أمرا بالمتابعة فيجب أن يكون مكتوبا وغير مخالف للقانون, كما ينص على ذلك الفصل 110 من الدستور؛

كانت هذه مجرد شذرات قانونية المراد منها إلقاء الضوء على هذا الموضوع, الذي قيل فيه الكثير ولم يذكر فيه ما له كل التأثير على السير العادي والصحيح لهذه المؤسسة العتيدة في جسم السلطة القضائية.

 
 
 

Posts récents

Voir tout

Comments


  • facebook
  • twitter

© Abdelali El Misbahi.

bottom of page